وما يقوله قوم من أن الأرواح قائمة بالأجساد، وأنها كانت قبل الأجساد بكذا وكذا عاما، وأنها غير داخلة في الأجساد ولا خارجة منها، وأنها تفنى إلى غير ذلك، فنحن مستغنون عن ذكره فيما نحن بصدده، وكتب الأصول والجدل أولى بذكر ذلك. فقال بعض من تكلم في هذا الحديث: إنه على حذف المضاف، والتقدير: ذووا الأرواح، وهذا قريب المأخذ، وعند جماعة من محققي أصحاب الأصول: أنه يجوز عقلا أن يكون الله تعالى إذا استشهد الشهيد أو توفي النبي أو الصالح من بني آدم ينتزع من جسده أجزاء بقدر ما تحل الحياة التي كانت الجملة بها حية فيها فيردها إلى تلك الأجزاء فتصير حيا وإن كانت جثه صغيرة، فيرفعه إلى حيث شاء فإنه لا اعتبار في الحي بالجثة، وظاهر الكتاب يشهد بصحة ذلك حيث يقول تعالى: " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء - إلى قوله تعالى - ولا هم يحزنون (1) " وفي الحديث: أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تعلق من ورق الجنة ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش. وهذا [الحديث] مما يعضد هذه المقالة، فعلى هذا تتعارف هذه الأجساد اللطيفة بعد موت صاحبها، كما كانت في دار الدنيا تعرف بعضها بعضا فتتباشر فتأتلف وبالعكس.
وروت عائشة في سبب هذا الحديث. أن مخنثا قدم المدينة فنزل على مخنث من غير أن يعلم أنه مخنث، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله فقال: الأرواح جنود مجندة (الحديث). وروي عنه صلى الله عليه وآله: الأرواح جنود مجندة فتشام كما تشام الخيل، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف. فلو أن مؤمنا جاء إلى مجلس فيه مائة منافق ليس فيهم إلا مؤمن واحد لجاء حتى يجلس إليه، أو كما قال، وروي عن عائشة أنها قالت: كانت امرأة بمكة تدخل على نساء قريش تضحكهن فلما هاجرت إلى المدينة دخلت المدينة فدخلت علي قلت: فلانة! ما أقدمك؟ قالت: إليكن، قلت:
فأين نزلت؟ قالت: على فلانة امرأة مضحكة بالمدينة فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت:
يا رسول الله دخلت فلانة المضحكة. قال: صلى الله عليه وآله فعلى من نزلت؟ قلت: على فلانة. قال: