بذلك أهل القرى، فقصدوهم وتسنموا حيطان البلد فاطلعوا عليهم، فإذا كلهم رجالهم ونساؤهم قردة يموج بعضهم في بعض، يعرف هؤلاء الناظرون معارفهم وقراباتهم وخلطاءهم يقول المطلع لبعضهم: أنت فلان، أنت فلان؟ فتدمع عينيه ويومئ برأسه، أي نعم.
فهذان الخبران يدلان على أنهم لم يتخلعوا من الانسانية، وكان فيهم العقل والشعور إلا أنهم كانوا لا يقدرون على التكلم.
قال النيسابوري في قوله سبحانه " كونوا قردة خاسئين (1) ": عن مجاهد أنه مسخ قلوبهم، بمعنى الطبع والختم، لا أنه مسخ صورهم، وهو مثل قوله " كمثل الحمار يحمل أسفارا (2) ".
واحتج: بأن الانسان هو هذا الهيكل المحسوس، فإذا أبطله وخلق مكانه تركيب القرد رجع حاصل المسخ إلى إعدام الاعراض التي باعتبارها كان ذلك الجسم إنسانا وإيجاد أعراض أخر باعتبارها صار قردا. وأيضا لو جوزنا ذلك لم نؤمن في كل ما نراه قردا وكلبا أنه كان إنسانا عاقلا، وذلك شك في المشاهدات.
وأجيب: بأن الانسان ليس هذا الهيكل، لتبدله بالسمن والهزال، فهو أمر وراء ذلك، إما جسماني سار في جميع البدن، أو جزء في جانب من البدن كقلب أو دماغ، أو مجرد كما تقوله الفلاسفة، وعلى التقادير فلا امتناع في بقاء ذلك الشئ مع تطرق التغير إلى هذا الهيكل، وهذا هو المسخ، وبهذا التأويل يجوز في الملك الذي تكون جثته في غاية العظم أن يدخل حجرة الرسول صلى الله عليه وآله ولأنه لم يتغير منهم إلا الخلقة والصورة، والعقل والفهم باق، فإنهم يعرفون ما نالهم بشؤم المعصية: من تغير الخلقة، وتشويه الصورة، وعدم القدرة على النطق، وسائر الخواص الانسانية، فيتألمون بذلك ويتعذبون. ثم أولئك القرود بقوا أو أفناهم الله؟ وإن بقوا فهذه القرود التي في زماننا من نسلهم أم لا؟ الكل سائر (3) عقلا، إلا أن الرواية عن ابن عباس: أنهم