فيه بالفعل عقل مستفاد، وربما قيل: هو عقل بالفعل بالقياس إلى ذاته، ومستفاد بالقياس إلى فاعله.
واختلفوا أيضا في أن المعتبر في المستفاد هو حصول النظريات الممكنة للنفس بحيث لا يغيب أصلا، حتى قالوا: إنه آخر المراتب البشرية، وأول منازل الملكية وأنه يمتنع أو يستبعد جدا ما دامت النفس متعلقة بالبدن، أو مجرد الحضور حتى يكون قبل العقل بالفعل بحسب الوجود - على ما صرح به الامام - وإن كان بحسب الشرف هو الغاية والرئيس المطلق الذي يخدمه سائر القوى الانسانية والحيوانية والنباتية ولا يخفى أن هذا أشبه بما اتفقوا عليه من حصر المراتب في الأربع، نعم حضور الكل بحيث لا يغيب أصلا هو كمال مرتبة المستفاد.
ثم قال أما العملي فهو قوة بها يتمكن الانسان من استنباط الصناعات والتصرفات في موضوعاتها التي هي بمنزلة المواد، كالخشب للنجار، وتميز مصالحه التي يجب الاتيان بها من المفاسد التي يجب الاجتناب عنها لينتظم بذلك أمر معاشه ومعاده، وبالجملة هي مبدأ حركة بدن الانسان إلى الأفاعيل الجزئية الخاصة بالرؤية على مقتضى آراء تخصها صلاحيته، ولها نسبة إلى القوة النزوعية، ومنها يتولد الضحك والخجل والبكاء ونحوها، ونسبة إلى الحواس الباطنة وهي استعمالها في استخراج أمور مصلحة وصناعات وغيرها، ونسبة إلى القوة النظرية وهي أن أفاعليه أعني أعماله الاختيارية تنبعث عن آراء جزئية تستند إلى آراء كلية تستنبط من مقدمات أولية أو تجربية أو ذائعة أو ظنية تحكم بها القوة النظرية، مثلا يستنبط من قولنا: بذل الدرهم جميل والفعل الجميل ينبغي أن يصدر عنا، ينتج أن بذل الدرهم ينبغي أن يصدر عنا، ثم يحكم بأن هذا الدرهم ينبغي أن أبذله لهذا المستحق، فينبعث من ذلك شوق وإرادة إلى بذله، فتقدم القوة المحركة على دفعه إلى المستحق.
ثم قال: وكمال القوة النظرية معرفة أعيان الموجودات وأحوالها وأحكامها كما هي أي على الوجه الذي هي عليه في نفس الامر بقدر الطاقة البشرية، وسمي حكمة نظرية، وكمال القوة العملية القيام بالأمور على ما ينبغي، أي على الوجه الذي