بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٨ - الصفحة ١٩٥
أصدق ساعات الرؤيا وقت السحر. وروي عن أبي سعيد قال: أصدق الرؤيا بالاسحار.
وقال ابن حجر - في فتح الباري -: ذكر الدينوري أن رؤيا أول الليل يبطئ تأويلها، ومن النصف الثاني يسرع، وإن أسرعها تأويلا وقت السحر ولا سيما عند طلوع الفجر. وعن جعفر الصادق عليه السلام: أسرعها تأويلا رؤيا القيلولة.
تفصيل وتبيين ولما كان أمر الرؤيا وصدقها وكذبها مما اختلفت فيه أقاويل الناس، (1) فلا بأس

(1) مسألة الرؤيا من غوامض المسائل النفسية، وقد بقيت بعد جهات منها في قيد الابهام. ولنبدأ بالإشارة إلى جوانب بينة منها لعلها تساعد على توضيح بعض جوانبها الأخرى.
فنقول: لا ريب ان النائم عندما يرى شيئا من المنامات تحصل له إدراكات من غير طرق الحواس الظاهرة وتسمية تلك الادراكات بالخيالات لا تخرجها عن واقعها، فان الخيال حتى الفاسد الباطل منه له حصول في الذهن ووجود علمي للنفس، وإنما فساده وبطلانه من ناحية عدم انطباقه على الخارج. ولا ريب في حكاية كثير من المنامات عن وقوع أشياء في الخارج في ما مضى أو ما يأتي مع عدم سبيل للرائي حتى في حال يقظته إلى الاطلاع على شئ منها، وهي أكثر من أن يمكن حملها على الصدفة والاتفاق، وخاصة منامات الأنبياء والأولياء المشتملة على الوحي والالهام كما أنه لا ريب في أن كثيرا منها تمثلات ذهنية لأميال وآمال وتركيبات وتحليلات لما اختزن من الصور في خزانة الخيال. وهذه النوع الأخير من الرؤيا - وإن انقسم إلى أقسام مختلفة - يرجع إلى بروز ما كمن في النفس إلى ساحة الحواس الباطنة وادراك النفس لها بتوسيط تلك الحواس مرة أخرى. ومعرفة علل هذا الأفاعيل النفسية ومدى ارتباطها بالحالات البدنية والروحية رهينة لتجارب كثيرة لا يزال علماء النفس مشتغلين بها.
اما النوع الأول منه فلا يمكن تعليله بأمثال تلك العلل فحسب كما لا يخفى. وبعبارة أخرى حصول هذا النوع من الادراكات للنفس ليس معلولا لحالات فسيولوجية أو ظاهرات بسيكولوجية معينة. فأي حاله بدنية أو نفسية توجب العلم بوجود كنز على المقدار معين في مكان خاص أو بحدوث حادثة مشخصة في زمان خاص في المستقبل؟! وما هو الذي يمكن أن يجعل وجه الربط بين الظاهرات الجسمية والروحية في الانسان وبين العلم بقضايا عازبة عن ذهنه بموضوعاتها ومحمولاتها؟! فهذه المعلومات ليست مما يستقل به النفس من الادراك بصرف النظر عما هو خارج عن ذاتها رأسا والغير الذي يمكن أن يشارك النفس في حصول هذه الادراكات لها بوجه إما أن يكون امرا عقليا محضا، أو مثاليا برزخيا، ولا يكون أمرا ماديا البتة، للقطع بعدم حصول ارتباط مادي بين الانسان وبين موجود مادي آخر مما يقع تحت الحواس في حال النوم بحيث يمكن إسناد تلك العلوم إليه بوجه. فعلى فرض جعل المشارك للنفس امرا عقليا يصير الرؤيا اتصالا للنفس بموجود عقلي في المنام وتمثل ما تستفيد منه حسب استعدادها بصور جزئية في عالمها المثالي. وإن شئت قلت: في ساحة الحواس الباطنة ولوح الذهن وعلى فرض جعل المشارك أمرا مثاليا يصير الرؤيا إشرافا للنفس على عالم المثال ومشاهدة أمور هناك مباشرة.
وكلاهما مما يصح فرضه عقلا، ولا ينفيه دليل شرعي، بل يوجد في الاخبار ما يؤيدهما بل يدل عليهما، فعليك بإجادة التدبر فيها. وسيأتي في المتن أقوال عدة من العلماء والباحثين تعرف مواقع النظر فيها مما تلونا عليك، فلا نتصدى لنقدها بالتفصيل حذرا من التطويل.
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 * الباب الثاني والأربعون * حقيقة النفس والروح وأحوالهما 1
3 معنى قوله تعالى: " ويسئلونك عن الروح " 1
4 في ماهية الروح 2
5 في حقيقة الانسان 5
6 معنى قوله تعالى: " نزل به الروح الأمين على قلبك "... 22
7 العلة التي من اجلها سمي الروح روحا 28
8 فيمن قال بتناسخ الأرواح 33
9 الفرق بين الحب والبغض، والرؤيا الصادقة والرؤيا الكاذبة 41
10 بيان في تفسير عليين 44
11 في أن المؤمن لا يكره الموت لأنه يرى النبي وأمير المؤمنين وفاطمة... 48
12 في أن المؤمن ليزور أهله وكذلك الكافر 52
13 فيما كتبه الإمام الصادق عليه السلام في رسالة الإهليلجة 55
14 في أن الأرواح جنود مجندة 64
15 في بيان أقوال الحكماء والصوفية والمتكلمين من الخاصة والعامة في حقيقة النفس والروح 68
16 فيما قاله الصدوق رحمه الله في رسالة العقايد في النفوس والروح، 78
17 فيما قاله الشيخ المفيد رحمه الله في تنعم أصحاب القبور وتعذيبهم 83
18 فيما سئله كميل عن علي عليه السلام بقوله: أريد أن تعرفني نفسي... 84
19 فيما قاله العلامة الحلي والمحقق الطوسي في حقيقة النفس 86
20 رسالة: الباب المفتوح إلى ما قيل في النفس والروح، 91
21 فيما قاله العلامة المجلسي قدس سره في النفس والروح 104
22 في تعديد خواص النفس الانسانية 122
23 في حد الانسان 124
24 * الباب الثالث والأربعون * في خلق الأرواح قبل الأجساد، وعلة تعلقها بها، وبعض شؤونها من ائتلافها... 131
25 في قول رجل لعلي عليه السلام: والله إني لأحبك، فقال كذبت 131
26 العلة التي من أجلها جعل الله عز وجل الأرواح في الأبدان... 133
27 بحث وتحقيق حول روايات خلق الأرواح قبل الأبدان 141
28 فيما قاله الشيخ المفيد رحمه الله في خلق الأرواح قبل الأجساد 144
29 العلة التي من أجلها يغتم الانسان ويحزن من غير سبب، ويفرح ويسر من غير سبب 145
30 في قول رسول الله (ص): مثل المؤمن في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد... 150
31 * الباب الرابع والأربعون * حقيقة الرؤيا وتعبيرها وفضل الرؤيا الصادقة وعلتها وعلة الكاذبة 151
32 قصة يوسف عليه السلام، وما رآه الملك في المنام 153
33 معنى قوله عز وجل: " وجعلنا نومكم سباتا " 156
34 في امرأة رأت على عهد رسول الله (ص) ثلاث مرات أن جذع بيتها انكسر 164
35 في أن فاطمة (ع) رأت في النوم كأن الحسن والحسين (ع) ذبحا أو قتلا... 166
36 في قول النبي (ص): وقد رأيت أن بني تيم وبني عدي وبني أمية يصعدون منبري 168
37 الرؤيا التي رآها أمير المؤمنين عليه السلام بكربلا في الحسين عليه السلام 170
38 في الرؤيا التي رآها عبد المطلب في بشارة النبي صلى الله عليه وآله... 171
39 في قول رسول الله (ص): الرؤيا لا تقص إلا على مؤمن خلا من الحسد والبغي 174
40 بيان في أن الرؤيا المؤمن على سبعين جزء من أجزاء النبوة 177
41 في رؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وآله وسلم 184
42 سبب نزول قوله تعالى: " إنما النجوى من الشيطان " 187
43 في قول رسول الله صلى الله عليه وآله: الرؤيا ثلاثة: بشرى من الله،... 191
44 بحث وتحقيق حول مسألة الرؤيا، وانها من غوامض المسائل... 195
45 في سبب المنامات الصادقة والكاذبة 199
46 فيما نقل عن الشيخ المفيد رحمه الله في المنامات 209
47 فيما ذكره أرباب التعبير والتأويل في المنامات 219
48 * الباب الخامس والأربعون * في رؤية النبي (ص) وأوصيائه (ع) وسائر الأنبياء والأولياء في المقام 234
49 في أن الشيطان لا يتمثل في صورة النبي صلى الله عليه وآله 234
50 * الباب السادس والأربعون * قوى النفس ومشاعرها من الحواس الظاهرة والباطنة وسائر القوى البدنية 245
51 احتجاج هشام بن الحكم بعمرو بن عبيد 248
52 فيما قاله الإمام الصادق (ع) للمفضل في الافعال التي جعلت في الانسان... 255
53 فيما ذكره الحكماء في تحقيق القوى البدنية الانسانية 260
54 بحث مفصل وأقوال مختلفة في كيفية الابصار 261
55 في الشامة والذائقة 270
56 في اللامسة، والحواس الباطنة 272
57 * الباب السابع والأربعون * ما به قوام بدن الانسان وأجزائه وتشريح أعضائه ومنافعها وما يترتب عليها... 286
58 في قول الإمام الصادق عليه السلام: قوام الانسان وبقاؤه بأربعة 293
59 في قول الإمام الصادق (ع): عرفان المرء نفسه أن يعرفها بأربع طبائع و... 302
60 فيما جرى بين الإمام الصادق عليه السلام والطبيب الهندي في مجلس المنصور... 307
61 علة المرارة في الاذنين والعذوبة في الشفتين والملوحة في العينين والبرودة في الانف 312
62 فيما قاله الإمام الصادق عليه السلام للمفضل في أعضاء البدن أجمع 320
63 في عشرة كلمة سئلها داود عليه السلام عن سليمان 331