وقد حكم عليه بحكم: والله ما حكمت بالحق! فقال له: اخسأ كلبا، وإن الأثواب تطايرت عنه وصار كلبا يمصع (1) بذنبه. وإذا جاز أن يجعل الله جل وعز الجماد حيوانا فمن ذا الذي يحيل جعل حيوان في صورة حيوان آخر؟.
فأجاب - قدس سره -: اعلم أنا لم نحل المسخ، وإنما أحلنا أن يصير الحي الذي كان إنسانا الحي الذي كان قردا أو خنزيرا، والمسخ أن يغير صورة الحي الذي كان إنسانا يصير بهيمة، لا أنه يتغير صورته إلى صورة إلى صورة البهيمة والأصل في المسخ قوله تعالى:
" كونوا قردة خاسئين " (2) وقوله تعالى: " وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت (3) " وقد تأول قوم من المفسرين آيات القرآن التي في ظاهرها المسخ على أن المراد بها أنا حكمنا بنجاستهم، وخسة منزلتهم، وإيضاع أقدارهم لما كفروا وخالفوا، فجروا بذلك مجرى القرود التي لها هذه الأحكام، كما يقول أحد نا لغيره: ناظرت فلانا وأقمت عليه الحجة حتى مسخته كلبا، على هذا المعنى. وقال آخرون: بل أراد بالمسخ أن الله تعالى غير صورهم وجعلهم على صور القرود على سبيل العقوبة لهم والتنفير عنهم وذلك جائز مقدور لا مانع له. وهو أشبه بالظاهر وأمر عليه، والتأويل الأول ترك الظاهر وإنما تترك الظواهر لضرورة، وليست ههنا.
فإن قيل: فكيف يكون ما ذكرتم عقوبة؟. قلنا: هذه الخلقة إذا ابتدئت لم تكن عقوبة، وإذا غير الحي المخلوق على الخلقة التامة الجميلة إليها كان ذلك عقوبة لان تغير الحال إلى ما ذكرناه يقتضي الغم والحسرة.
فإن قيل: فيجب أن يكون مع تغير الصورة ناسا قردة، وذلك متناف. قلنا:
متى تغيرت صورة الانسان إلى صورة القرد لم يكن في تلك الحال إنسانا، بل كان إنسانا مع البنية الأولى، واستحق الوصف بأنه قرد لما صار على صورته، وإن كان الحي واحدا في الحالين لم يتغير، ويجب فيمن مسخ قردا على سبيل العقوبة له أن يذمه مع تغير