الخسيسة، فإنه كما أن الانسان يلتذ بأكل السكر فكذلك الجعل يلتذ بتناول السرقين، فلو كانت هذه اللذات البدنية هي السعادة الكبرى للانسان لوجب أن لا يكون للانسان فضيلة على هذه الحيوانات الخسيسة، بل نزيد ونقول: لو كانت سعادة الانسان متعلقة بهذه اللذات الخسيسة لوجب أن يكون الانسان أخس الحيوانات، والتالي باطل فالمقدم مثله. وبيان وجه الملازمة أن الحيوانات الخسيسة مشاركة للانسان في هذه اللذات الخسيسة البدنية، إلا أن الانسان يتنغص عليه المطالب بسبب العقل فإن العقل سمي عقلا لكونه عقالا له وحبسا له عن أكثر ما يشتهيه ويميل طبعه إليه فإذا كان التقدير أن كمال السعادة ليس إلا في هذه اللذات الخسيسة ثم بينا أن هذه اللذات الخسيسة حاصلة على سبيل الكمال والتمام للبهائم والسباع من غير معارض و مدافع وهي حاصلة للانسان مع المنازع القوي والمعارض الكامل وجب أن يكون الانسان أخس الحيوانات، ولما كان هذا معلوم الفساد بالبديهة ثبت أن هذه اللذات الخسيسة ليست موجبة للبهجة والسعادة.
الحجة الرابعة أن هذه اللذات الخسيسة إذا بحث عنها فهي في الحقيقة ليست لذات، بل حاصلها يرجع إلى دفع الألم، والدليل عليه أن الانسان كلما كان أكثر جوعا كان التذاذه بالأكل أكمل، وكلما كان ألم الجوع أقل كان الالتذاذ بالأكل أقل وأيضا إذا طال عهد الانسان بالوقاع واجتمع المني الكثير في أوعية المني حصلت في تلك الأوعية دغدغة شديدة وتمدد وثقل، وكلما كانت هذه الأحوال المؤذية أكثر كانت اللذة الحاصلة عند اندفاع ذلك المني أقوى، ولهذا السبب فإن لذة الوقاع في حق من طال عهده بالوقاع يكون أكمل منها في حق من قرب عهده به. فثبت أن هذه الأحوال التي يظن أنها لذات جسمانية فهي في الحقيقة ليست إلا دفع الألم، و هكذا القول في اللذة الحاصلة بسبب لبس الثياب، فإنه لا حاصل لتلك اللذة إلا دفع ألم الحر والبرد. وإذا ثبت أنه لا حاصل لهذه اللذات إلا دفع الآلام فنقول: ظهر أنه ليس فيها سعادة، لان الحالة السابقة هي حصول الألم، والحالة الحاضرة عدم الألم، وهذا العدم كان حاصلا عند العدم الأصلي، فثبت أن هذه الأحوال ليست