ويضربون بالمعازف، ويأخذون الدستبند، فيكونون على ذلك يومهم وليلتهم، ثم ينصرفون. وإنما سمت العجم شهورها بأبان ماه وآذرماه وغيرهما اشتقاقا من أسماء تلك القرى، لقول أهلها بعض لبعض هذا عيد شهر كذا وعيد شهر كذا حتى إذا كان عيد قريتهم العظمى اجتمع إليهم صغيرهم وكبيرهم، فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقا من ديباج عليه من أنواع الصور، له (1) اثنا عشر بابا كل باب لأهل قرية منهم ويسجدون للصنوبرة خارجا من السرادق، ويقربون لها الذبائح أضعاف ما قربوا للشجرة (2) في قراهم، فيجئ إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكا شديدا، فيتكلم (3) من جوفها كلاما جهوريا، ويعدهم ويمنيهم بأكثر مما وعدتهم ومنتهم الشياطين كلها، فيرفعون رؤوسهم من السجود وبهم من الفرح والنشاط مالا يفيقون ولا يتكلمون من الشرب والعزف، فيكونون على ذلك اثني عشر يوما ولياليها بعدد أعيادهم سائر السنة، ثم ينصرفون.
فلما طال كفرهم بالله عز وجل وعبادتهم غيره بعث الله عز وجل إليهم نبيا من بني إسرائيل من ولد يهودا ابن يعقوب، فلبث فيهم زمانا طويلا يدعوهم إلى عبادة الله عز وجل ومعرفة ربوبيته فلا يتبعونه، فلما رأى شدة تماديهم في الغي والضلال، وتركهم قبول ما دعاهم إليه من الرشد والنجاح، وحضر عيد قريتهم العظمى قال: يا رب إن عبادك أبوا إلا تكذيبي، والكفر بك، وغدوا يعبدون شجرة لا تنفع ولا تضر، فأيبس شجرهم أجمع، وأرهم قدرتك وسلطانك. فأصبح القوم وقد يبس شجرهم كلها، فهالهم ذلك، وقطع بهم وصاروا فرقتين: فرقة قالت سحر آلهتكم هذا الرجل الذي زعم (4) أنه رسول رب السماء والأرض (5)