ليصرف وجوهكم عن آلهتكم إلى إلهه، وفرقة قالت: لا، بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ويقع فيها ويدعوكم إلى عبادة غيرها، فحجبت حسنها و بهاءها لكي تغضبوا لها فتنتصروا منه. فأجمع رأيهم على قتله، فاتخذوا أنابيب طوالا من رصاص واسعة الأفواه، ثم أرسلوها في قرار العين إلى أعلى الماء واحدة فوق الأخرى مثل البرابخ، ونزحوا ما فيها من الماء، ثم حفروا في قرارها (1) بئرا ضيقة المدخل عميقة، وأرسلوا فيها نبيهم، وألقموا فاها صخرة عظيمة، ثم أخرجوا الأنابيب من الماء وقالوا: نرجو الآن أن ترضى عنا آلهتنا إذا رأت أنا قد قتلنا من كان يقع فيها، ويصد عن عبادتها، ودفناه تحت كبيرها، يتشفى منه فيعود لنا نورها ونضرتها (2) كما كان. فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم عليه السلام وهو يقول: سيدي قد ترى ضيق مكاني، وشدة كربي، فارحم ضعف ركني، و قلة حيلتي، وعجل بقبض روحي، ولا تؤخر إجابة دعوتي (3). حتى مات عليه السلام فقال الله جل جلاله لجبرئيل عليه السلام: يا جبرئيل! أيظن عبادي هؤلاء الذين غرهم حلمي وأمنوا مكري وعبدوا غيري وقتلوا رسولي أن يقوموا لغضبي أو يخرجوا من سلطاني؟! كيف وأنا المنتقم ممن عصاني، ولم يخش عقابي، وإني حلفت بعزتي وجلالي لأجعلنهم عبرة ونكالا للعالمين، فلم يرعهم (4) - وهم في عيدهم ذلك - إلا بريح عاصف شديدة الحمرة فتحيروا فيها وذعروا منها، وتضام (5) بعضهم إلى بعض، ثم صارت الأرض من تحتهم حجر كبريت يتوقد، وأظلتهم سحابة سوداء (6) فألقت عليهم كالقبة جمرا يلتهب، فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص في
(١١٢)