المستحقة باقية في جنوب مستحقيها فان ظهر الامام ومستحقوها باقون أقامها عليهم بالبينة أو الاقرار وإن كان فات ذلك بموته كان الاثم في تفويتها على من أخاف الامام وألجأه إلى الغيبة.
وليس هذا نسخا لإقامة الحدود لان الحد إنما يجب إقامته مع التمكن وزوال المنع، ويسقط مع الحيلولة، وإنما يكون ذلك نسخا لو سقط إقامتها مع الامكان، وزوال الموانع، ويقال لهم ما تقولون في الحال التي لا يتمكن أهل الحل والعقد من اختيار الإمام، ما حكم الحدود؟ فان قلتم سقطت، فهذا نسخ على ما ألزمتمونا وإن قلتم هي باقية في جنوب مستحقيها فهو جوابنا بعينه.
فان قيل: قد قال أبو علي إن في الحال التي لا يتمكن أهل الحل والعقد من نصب الإمام يفعل الله ما يقوم مقام إقامة الحدود وينزاح علة المكلف وقال أبو هاشم إن إقامة الحدود دنياوية لا تعلق لها بالدين.
قلنا: أما ما قاله أبو علي فلو قلنا مثله ما ضرنا لان إقامة الحدود ليس هو الذي لأجله أوجبنا الامام حتى إذا فات إقامته انتقص دلالة الإمامة بل ذلك تابع للشرع، وقد قلنا إنه لا يمتنع أن يسقط فرض إقامتها في حال انقباض يد الامام أو تكون باقية في جنوب أصحابها وكما جاز ذلك جاز أيضا أن يكون هناك ما يقوم مقامها فإذا صرنا إلى ما قاله لم ينتقض علينا أصل.
وأما ما قاله أبو هاشم من أن ذلك لمصالح الدنيا فبعيد لان ذلك عبادة واجبة ولو كان لمصلحة دنياوية لما وجبت. على أن إقامة الحدود عنده على وجه الجزاء والنكال جزء من العقاب وإنما قدم في دار الدنيا بعضه، لما فيه من المصلحة، فكيف يقول مع ذلك أنه لمصالح دنياوية فبطل ما قالوه.
فان قيل: كيف الطريق إلى إصابة الحق مع غيبة الامام فان قلتم: لا سبيل إليها جعلتم الخلق في حيرة وضلالة، وشك في جميع أمورهم، وإن قلتم يصاب الحق بأدلته، قيل لكم: هذا تصريح بالاستغناء عن الامام بهذه الأدلة.