ثبوت حكمة القديم تعالى وأنه لا يفعل القبيح.
وإنما رجحنا الكلام في إمامته على الكلام في غيبته وسببها لان الكلام في إمامته مبني على أمور عقلية لا يدخلها الاحتمال وسبب الغيبة ربما غمض واشتبه فصار الكلام في الواضح الجلي أولى من الكلام في المشتبه الغامض كما فعلناه مع المخالفين للملة فرجحنا الكلام في نبوة نبينا على الكلام على ادعائهم تأبيد شرعهم لظهور ذلك وغموض هذا وهذا بعينه موجود ههنا، ومتى عادوا إلى أن يقولوا: الغيبة فيها وجه من وجوه القبح فقد مضى الكلام عليه، على أن وجوه القبح معقولة وهي كونه ظلما أو كذبا أو عبثا أو جهلا أو استفسادا وكل ذلك ليس بحاصل فيها فيجب أن لا يدعى فيه وجه القبح.
فان قيل: ألا منع الله الخلق من الوصول إليه، وحال بينهم وبينه، ليقوم بالأمر ويحصل ما هو لطف لنا كما نقول في النبي إذا بعثه الله تعالى يمنع منه ما لم يؤد (الشرع) فكان يجب أن يكون حكم الامام مثله.
قلنا: المنع على ضربين أحدهما لا ينافي التكليف بأن لا يلجأ إلى ترك القبيح والآخر يؤدي إلى ذلك فالأول قد فعله الله من حيث منع من ظلمه بالنهي عنه والحث على وجوب طاعته والانقياد لامره ونهيه وأن لا يعصى في شئ من أوامره، وأن يساعد على جميع ما يقوى أمره ويشيد سلطانه، فان جميع ذلك لا ينافي التكليف فإذا عصى من عصى في ذلك ولم يفعل ما يتم معه الغرض المطلوب، يكون قد اتي من قبل نفسه لا من قبل خالقه، والضرب الآخر أن يحول بينهم وبينه بالقهر والعجز عن ظلمه وعصيانه، فذلك لا يصح اجتماعه مع التكليف فيجب أن يكون ساقطا.
فأما النبي صلى الله عليه وآله فإنما نقول يجب أن يمنع الله منه حتى يؤدي الشرع لأنه لا يمكن أن يعلم ذلك إلا من جهته فلذلك وجب المنع منه، وليس كذلك الامام لأن علة المكلفين مزاحة فيما يتعلق بالشرع، والأدلة منصوبة على ما يحتاجون إليه، ولهم طريق إلى معرفتها من دون قوله، ولو فرضنا أنه ينتهي الحال إلى حد لا يعرف الحق من الشرعيات إلا بقوله لوجب أن يمنع الله تعالى منه ويظهره بحيث