كذلك الامام عندكم لان تصرفه في كل حال لطف للخلق، فلا يجوز له الاستتار على وجه، ووجب تقويته والمنع منه، ليظهر وينزاح علة المكلف لأنا قد بينا أن النبي صلى الله عليه وآله مع أنه أدى المصلحة التي تعلقت بتلك الحال، لم يستغن عن أمره ونهيه وتدبيره، بلا خلاف بين المحصلين، ومع هذا جاز له الاستتار، فكذلك الامام.
على أن أمر الله تعالى له بالاستتار في الشعب تارة، وفي الغار أخرى فضرب من المنع منه لأنه ليس كل المنع أن يحول بينهم وبينه بالعجز أو بتقويته بالملائكة لأنه لا يمتنع أن يفرض في تقويته بذلك مفسدة في الدين فلا يحسن من الله فعله و لو كان خاليا من وجوه الفساد وعلم الله أنه يقتضيه المصلحة لقواه بالملائكة، و حال بينهم وبينه، فلما لم يفعل ذلك مع ثبوت حكمته، ووجوب إزاحة علة المكلفين علمنا أنه لم يتعلق به مصلحة بل مفسدة، وكذلك نقول في الامام أن الله فعل من قتله بأمره بالاستتار والغيبة، ولو علم أن المصلحة يتعلق بتقويته بالملائكة لفعل، فلما لم يفعل مع ثبوت حكمته، ووجوب إزاحة علة المكلفين في التكليف، علمنا أنه لم يتعلق به مصلحة، بل ربما كان فيه مفسدة.
بل الذي نقول أن في الجملة يجب على الله تعالى تقوية يد الامام، بما يتمكن معه من القيام وينبسط يده، ويمكن ذلك بالملائكة وبالبشر، فإذا لم يفعله بالملائكة علمنا أنه لأجل أنه تعلق به مفسدة، فوجب أن يكون متعلقا بالبشر فإذا لم يفعلوه اتوا من قبل نفوسهم لا من قبله تعالى، فيبطل بهذا التحرير جميع ما يورد من هذا الجنس وإذا جاز في النبي صلى الله عليه وآله أن يستتر مع الحاجة إليه لخوف الضرر، وكانت التبعة في ذلك لازمة لمخيفيه ومحوجيه إلى الغيبة، فكذلك غيبة الامام سواء.
فأما التفرقة بطول الغيبة وقصرها فغير صحيحة لأنه لا فرق في ذلك بين القصير المنقطع والطويل الممتد لأنه إذا لم يكن في الاستتار لائمة على المستتر إذا أحوج إليه بل اللائمة على من أحوجه إليها جاز أن يتطاول سبب الاستتار كما جاز أن يقصر زمانه.