فإذا علم بقاء تكليفه عليه واستتار الامام عنه، علم أنه لامر يرجع إليه، كما يقول جماعتنا فيمن لم ينظر في طريق معرفة الله تعالى فلم يحصل له العلم وجب أن يقطع على أنه إنما لم يحصل لتقصير يرجع إليه وإلا وجب اسقاط تكليفه، وإن لم يعلم ما الذي وقع تقصيره فيه.
فعلى هذا التقدير أقوى ما يعلل به ذلك أن الامام إذا ظهر ولا يعلم شخصه وعينه من حيث المشاهدة، فلا بد من أن يظهر عليه علم معجز يدل على صدقه والعلم بكون الشئ معجزا يحتاج إلى نظر يجوز أن يعترض فيه شبهة، فلا يمنع أن يكون المعلوم من حال من لم يظهر له أنه متى ظهر وأظهر المعجز لم ينعم النظر فيدخل فيه شبهة، ويعتقد أنه كذاب ويشيع خبره فيؤدي إلى ما تقدم القول فيه.
فان قيل: أي تقصير وقع من الولي الذي لم يظهر له الامام لأجل هذا المعلوم من حاله، وأي قدرة له على النظر فيما يظهر له الامام معه وإلى أي شئ يرجع في تلافي ما يوجب غيبته.
قلنا: ما أحلنا في سبب الغيبة عن الأولياء إلا على معلوم يظهر موضع التقصير فيه وإمكان تلافيه، لأنه غير ممتنع أن يكون من المعلوم من حاله أنه متى ظهر له الامام قصر في النظر في معجزه، فإنما اتي في ذلك لتقصيره الحاصل في العلم بالفرق بين المعجز والممكن، والدليل من ذلك والشبهة، ولو كان من ذلك على قاعدة صحيحة لم يجز أن يشتبه عليه معجز الامام عند ظهوره له، فيجب عليه تلافي هذا التقصير واستدراكه.
وليس لاحد أن يقول: هذا تكليف لما لا يطاق وحوالة على غيب، لان هذا الولي ليس يعرف ما قصر فيه بعينه من النظر والاستدلال فيستدركه حتى يتمهد في نفسه ويتقرر، ونراكم تلزمونه مالا يلزمه، وذلك إنما يلزم في التكليف قد يتميز تارة ويشتبه أخرى بغيره، وإن كان التمكن من الامرين ثابتا حاصلا، فالولي على هذا إذا حاسب نفسه ورأي أن الامام لا يظهر له وأفسد أن يكون السبب في الغيبة ما ذكرناه من الوجوه الباطلة وأجناسها علم أنه لا بد من سبب يرجع إليه.