فانطلقت حتى أتيته فكلمته فقال: أنا أعلم أهل ديني وغيري أعلم مني.
فقلت: أرشدني إلى من هو أعلم منك فاني لا أستعظم السفر ولا تبعد علي الشقة، ولقد قرأت الإنجيل كلها ومزامير داود، وقرأت أربعة أسفار من التوراة وقرأت ظاهر القرآن حتى استوعبته كله، فقال لي العالم: إن كنت تريد علم النصرانية فأنا أعلم العرب والعجم بها، وإن كنت تريد علم اليهود فباطي بن شراحيل السامري أعلم الناس بها اليوم، وإن كنت تريد علم الاسلام وعلم التوراة وعلم الإنجيل والزبور وكتاب هود وكلما انزل على نبي من الأنبياء في دهرك ودهر غيرك، وما نزل من السماء من خير فعلمه أحد أو لم يعلم به أحد فيه تبيان كل شئ وشفاء للعالمين، وروح لمن استروح إليه، وبصيرة لمن أراد الله به خيرا وأنس إلى الحق فأرشدك إليه، فائته ولو ماشيا على رجليك، فإن لم تقدر فحبوا على ركبتيك، فإن لم تقدر فزحفا على استك، فإن لم تقدر فعلى وجهك.
فقلت: لا بل أنا أقدر على المسير في البدن والمال، قال: فانطلق من فورك حتى تأتي يثرب، فقلت: لا أعرف يثرب، فقال: فانطلق حتى تأتي مدينة النبي الذي بعث في العرب، وهو النبي العربي الهاشمي فإذا دخلتها فسل عن بني غنم بن مالك بن النجار، وهو عند باب مسجدها وأظهر بزة النصرانية وحليتها، فان واليها يتشدد عليهم والخليفة أشد، ثم تسأل عن بني عمرو بن مبذول، وهو ببقيع الزبير ثم تسأل عن موسى بن جعفر وأين منزله وأين هو مسافر أم حاضر، فإن كان مسافرا فالحقه فان سفره أقرب مما ضربت إليه، ثم أعلمه أن مطران عليا الغوطة.
غوطة دمشق هو الذي أرشدني إليك، وهو يقرئك السلام كثيرا ويقول لك: إني لأكثر مناجاة ربي أن يجعل إسلامي على يديك.
فقص هذه القصة وهو قائم معتمد على عصاه، ثم قال: إن أذنت لي يا سيدي كفرت لك وجلست فقال: آذن لك أن تجلس ولا آذن لك أن تكفر، فجلس ثم