قال: خرجنا مع الحسين فما نزل منزلا وما ارتحل منه إلا ذكر يحيى بن زكريا وقتله، وقال يوما: ومن هوان الدنيا على الله عز وجل أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.
ومضى الحسين عليه السلام في يوم السبت العاشر من المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة، بعد صلاة الظهر منه قتيلا مظلوما ظمآن صابرا محتسبا، وسنه يومئذ ثمان وخمسون سنة، أقام بها مع جده سبع سنين، ومع أبيه أمير المؤمنين ثلاثين سنة (1) ومع أخيه الحسن عشر سنين، وكانت مدة خلافته بعد أخيه أحد عشر سنة.
وكان عليه السلام يخضب بالحناء والكتم، وقتل عليه السلام وقد نصل (2) الخضاب من عارضيه (3).
29 - تفسير الإمام العسكري: قال الإمام عليه السلام: ولما امتحن الحسين عليه السلام ومن معه بالعسكر الذين قتلوه، وحملوا رأسه، قال لعسكره: أنتم في حل من بيعتي، فالحقوا بعشائركم ومواليكم، وقال لأهل بيته: قد جعلتكم في حل من مفارقتي فإنكم لا تطيقونهم لتضاعف أعدادهم وقواهم، وما المقصود غيري فدعوني والقوم، فان الله عز وجل يعينني ولا يخليني من حسن نظره، كعاداته في أسلافنا الطيبين، فأما عسكره ففارقوه، وأما أهله الأدنون من أقربائه فأبوا وقالوا: لا نفارقك، ويحزننا ما يحزنك، ويصيبنا ما يصيبك، وإنا أقرب ما نكون إلى الله إذا كنا معك.
فقال لهم: فان كنتم قد وطنتم أنفسكم على ما وطنت نفسي عليه، فاعلموا أن الله إنما يهب المنازل الشريفة لعباده باحتمال المكاره، وإن الله وإن كان خصني - مع من مضى من أهلي الذين أنا آخرهم بقاء في الدنيا - من الكرامات بما يسهل علي معها احتمال المكروهات، فان لكم شطر ذلك من كرامات الله تعالى