رمح، ومعه الأحراس، فوضعنا الطعام وجلسنا لنأكل، فإذا بكف في حائط الدير تكتب:
أترجو أمة قتلت حسينا * شفاعة جده يوم الحساب قال: فجزعنا من ذلك جزعا شديدا وأهوى بعضنا إلى الكف ليأخذها فغابت، ثم عاد أصحابي إلى الطعام فإذا الكف قد عادت تكتب:
فلا والله ليس لهم شفيع * وهم يوم القيامة في العذاب فقام أصحابنا إليها فغابت ثم عادوا إلى الطعام، فعادت تكتب:
وقد قتلوا الحسين بحكم جور * وخالف حكمهم حكم الكتاب فامتنعت وما هنأني أكله، ثم أشرف علينا راهب من الدير فرأى نورا ساطعا من فوق الرأس فأشرف فرأى عسكرا فقال الراهب للحراس: من أين جئتم؟
قالوا: من العراق، حاربنا الحسين فقال الراهب: ابن فاطمة بنت نبيكم وابن ابن عم نبيكم؟ قالوا: نعم، قال: تبا لكم، والله لو كان لعيسى بن مريم ابن لحملناه على أحداقنا، ولكن لي إليكم حاجة، قالوا: وما هي؟ قال: قولوا لرئيسكم:
عندي عشرة آلاف دراهم، ورثتها من آبائي يأخذها مني ويعطيني الرأس يكون عندي إلى وقت الرحيل فإذا رحل رددته إليه، فأخبروا عمر بن سعد بذلك (1) فقال:
خذوا منه الدنانير وأعطوه إلى وقت الرحيل فجاؤوا إلى الراهب فقالوا: هات المال حتى نعطيك الرأس فأدلى إليهم جرابين في كل جراب خمسة آلاف درهم فدعا عمر بالناقد والوزان فانتقدها ووزنها ودفعها إلى خازن له، وأمر أن يعطى الرأس.
فأخذ الراهب الرأس فغسله ونظفه وحشاه بمسك وكافور كان عنده، ثم جعله في حريرة ووضعه في حجره، ولم يزل ينوح ويبكي حتى نادوه وطلبوا منه الرأس، فقال: يا رأس والله لا أملك إلا نفسي، فإذا كان غدا فاشهد لي عند جدك