فلما طال بالغلامين المكث حتى صارا في السنة، قال أحدهما لصاحبه: يا أخي قد طال بنا مكثنا، ويوشك أن تفنى أعمارنا، وتبلى أبداننا، فإذا جاء الشيخ فأعلمه مكاننا، وتقرب إليه بمحمد صلى الله عليه وآله لعله يوسع علينا في طعامنا، ويزيدنا في شرابنا.
فلما جنهما الليل أقبل الشيخ إليهما بقرصين من شعير، وكوز من ماء القراح فقال له الغلام الصغير: يا شيخ أتعرف محمدا؟ قال: فكيف لا أعرف محمدا وهو نبيي؟ قال: أفتعرف جعفر بن أبي طالب؟ قال: وكيف لا أعرف جعفرا وقد أنبت الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء؟ قال: أفتعرف علي بن أبي طالب؟ قال: وكيف لا أعرف عليا وهو ابن عم نبيي وأخو نبيي؟
قال له: يا شيخ فنحن من عترة نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونحن من ولد مسلم بن عقيل بن أبي طالب بيدك أسارى نسألك من طيب الطعام فلا تطعمنا، ومن بارد الشراب فلا تسقينا، وقد ضيقت علينا سجننا، فانكب الشيخ على أقدامهما يقبلهما ويقول: نفسي لنفسكما الفداء، ووجهي لوجهكما الوقاء، يا عترة نبي الله المصطفى، هذا باب السجن بين يديكما مفتوح، فخذا أي طريق شئتما.
فلما جنهما الليل أتاهما بقرصين من شعير وكوز من ماء القراح، ووقفهما على الطريق، وقال لهما: سيرا يا حبيبي الليل، واكمنا النهار حتى يجعل الله عز وجل لكما من أمركما فرجا ومخرجا، ففعل الغلامان ذلك.
فلما جنهما الليل انتهيا إلى عجوز على باب فقالا لها: يا عجوز إنا غلامان صغيران غريبان حدثان، غير خبيرين بالطريق، وهذا الليل قد جننا أضيفينا سواد ليلتنا هذه فإذا أصبحنا لزمنا الطريق، فقالت لهما: فمن أنتما يا حبيبي فقد شممت الروائح كلها فما شممت رائحة هي أطيب من رائحتكما؟ فقالا لها: يا عجوز نحن من عترة نبيك محمد صلى الله عليه وآله هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل. قالت العجوز:
يا حبيبي إن لي ختنا فاسقا قد شهد الوقعة مع عبيد الله بن زياد أتخوف أن يصيبكما ههنا فيقتلكما. قالا: سواد ليلتنا هذه فإذا أصبحنا لزمنا الطريق فقالت: سآتيكما