إليه، فوجهنا إلى أبينا، فلم يحكم بيننا ووجهنا إليك، فتفكرت فاطمة بأن جدهما وأباهما ما أرادا كسر خاطرهما، أنا ماذا أصنع؟ وكيف أحكم بينهما؟ فقالت لهما: يا قرتي عيني إني أقطع قلادتي على رأسكما، فأيكما يلتقط من لؤلؤها أكثر كان خطه أحسن وتكون قوته أكثر، قال: وكان في قلادتها سبع لؤلؤات ثم إنها قامت فقطعت قلادتها على رأسهما، فالتقط الحسن ثلاث لؤلؤات والتقط الحسين ثلاث لؤلؤات وبقيت الأخرى فأراد كل منهما تناولها فأمر الله تعالى جبرئيل بنزوله إلى الأرض وأن يضرب بجناحه تلك اللؤلؤة ويقدها نصفين فأخذ كل منهما نصفا.
فانظر يا يزيد كيف رسول الله صلى الله عليه وآله لم يدخل على أحدهما ألم ترجيح الكتابة ولم يرد كسر قلبهما، وكذلك أمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام؟ وكذلك رب العزة لم يرد كسر قلب أحدهما بل أمر من قسم اللؤلؤة بينهما لجبر قلبهما؟ وأنت هكذا تفعل بابن بنت رسول الله؟ أف لك ولدينك يا يزيد.
ثم إن النصراني نهض إلى رأس الحسين عليه السلام واحتضنه وجعل يقبله وهو يبكي ويقول: يا حسين اشهد لي عند جدك محمد المصطفى، وعند أبيك علي المرتضى وعند أمك فاطمة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين قال: وروي من طريق أهل البيت عليهم السلام أنه لما استشهد الحسين عليه السلام بقي في كربلا صريعا، ودمه على الأرض مسفوحا، وإذا بطائر أبيض قد أتى وتمسح بدمه، وجاء والدم يقطر منه فرأى طيورا تحت الظلال على الغصون والأشجار وكل منهم يذكر الحب والعلف والماء، فقال لهم ذلك الطير المتلطخ بالدم:
يا ويلكم أتشتغلون بالملاهي، وذكر الدنيا والمناهي، والحسين في أرض كربلا في هذا الحر ملقى على الرمضاء ظامئ مذبوح ودمه مسفوح، فعادت الطيور كل منهم قاصدا كربلا، فرأوا سيدنا الحسين عليه السلام ملقى في الأرض جثة بلا رأس ولا غسل ولا كفن قد سفت عليه السوافي، وبدنه مرضوض قد هشمته الخيل بحوافرها زواره وحوش القفار، وندبته جن السهول والأوعار، قد أضاء التراب من أنواره وأزهر الجو من أزهاره.