خرج الناس للنظر إليهم، فلما أقبل بهم على الجمال بغير وطاء، جعل نساء الكوفة يبكين ويندبن، فسمعت علي بن الحسين عليهما السلام وهو يقول بصوت ضئيل وقد نهكته العلة، وفي عنقه الجامعة، ويده مغلولة إلى عنقه: إن هؤلاء النسوة يبكين فمن قتلنا؟
قال: ورأيت زينب بنت علي عليه السلام ولم أر خفرة قط أنطق منها كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام قال: وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا فارتدت الأنفاس وسكنت الأصوات فقالت: الحمد لله والصلاة على أبي رسول الله أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختل والخذل، فلا رقأت العبرة، ولا هدأت الرنة، فإنما مثلكم كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم، ألا وهل فيكم إلا الصلف والسرف، خوارون في اللقاء، عاجزون عن الأعداء، ناكثون للبيعة، مضيعون للذمة، فبئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون أتبكون؟ إي والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا فلقد فزتم بعارها وشنارها ولن تغسلوا دنسها عنكم أبدا، فسليل خاتم الرسالة، وسيد شباب أهل الجنة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، وأمارة محجتكم، ومدرجة حجتكم (1) خذلتم، وله قتلتم ألا ساء ما تزرون، فتعسا ونكسا ولقد خاب السعي، وتبت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة ويلكم أتدرون أي كبد لمحمد فريتم؟ وأي دم له سفكتم؟ وأي كريمة له أصبتم؟ لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا، ولقد أتيتم بها خرماء شوهاء طلاع الأرض والسماء، أفعجبتم أن قطرت السماء دما، ولعذاب الآخرة أخزى، فلا يستخفنكم المهل، فإنه لا يعجزه البدار ولا يخاف عليه فوت الثأر، كلا إن ربك لبالمرصاد