من وحيه، وجعلهم حجة له على خلقه، لئلا تجب الحجة لهم بترك الاعذار إليهم، فدعاهم بلسان الصدق إلى سبيل الحق، ألا إن الله قد كشف الحق (1) كشفة، لا أنه جهل ما أخفوه من مصون أسرارهم ومكنون ضمائرهم، ولكن ليبلوهم أيهم أحسن عملا، فيكون الثواب جزاء، والعقاب بواء.
أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا؟! أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يستعطى الهدى ويستجلى (2) العمى: إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم.
منها: آثروا عاجلا، وأخروا آجلا، وتركوا صافيا، وشربوا آجنا، كأني أنظر إلى فاسقهم وقد صحب المنكر فألفه، وبسى به ووافقه حتى شابت عليه مفارقه، وصبغت به خلائقه، ثم أقبل مزبدا (3) كالتيار لا يبالي ما غرق، أو كوقع النار في الهشيم لا يحفل ما حرق، أين العقول المستصبحة بمصابيح الهدى، والابصار اللامحة إلى منار التقوى؟ أين القلوب التي وهبت لله! وعوقدت على طاعة الله؟
ازدحموا على الحطام، وتشاحوا على الحرام، ورفع لهم علم الجنة والنار فصرفوا على الجنة وجوههم، وأقبلوا إلى النار بأعمالهم، دعاهم ربهم فنفروا وولوا، ودعاهم الشيطان فاستجابوا وأقبلوا!.
ايضاح: الكشف.. أريد به هنا الابتلاء الذي هو سببه. وقال في النهاية:
الجراحات بواء.. أي سواء في القصاص.. ومنه حديث علي عليه السلام (4)،