لإضافته إلى السماء الرابعة ولا إلى السماء الأولى، ومن تأمل ما ذكرناه علم أن تأويل الآية على ما ذكره المتعلق بالحديث بعيد عن الصواب انتهى كلامه رفع الله مقامه (1).
وأقول: أما الاعتراض الأول الذي أورده قدس سره على الصدوق رحمه الله فغير وارد، إذ ثبت بالأخبار المستفيضة أن جميع الكتب التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه أثبتها في اللوح المحفوظ قبل خلق السماء والأرض، ثم ينزل منها بحسب المصالح في كل وقت وزمان، وأما انطباقها على الوقائع المتأخرة فلا ينافي ذلك، لان الله تعالى عالم بما يتكلمون ويصدر منهم ويقع بينهم بعد ذلك، فأثبت في القرآن المثبت في اللوح جواب جميع ذلك على وفق علمه الذي لا يتخلف، فالمضي إنما يكون بالنسبة إلى زمان التبليغ إلى الخلق فلا استبعاد في أن ينزل هذا الكتاب جملة على النبي (صلى الله عليه وآله) ويأمره بأن لا يقرأ على الأمة شيئا منه إلا بعد أن ينزل كل جزء منه في وقت معين يناسب تبليغه، وفي واقعة معينة يتعلق بها، وأما تشبيه صاحب هذا القول بالمشبهة القائلين بقدم كلام الله فلا يخفى ما فيه، لان صاحب هذا القول لا يقول بقدم القرآن المؤلف من الحروف، ولا بكونه صفة قديمة لله، قائمة بذاته تعالى، فأي مفسدة تلزم عليه، وأما المشابهة في أنه يمكن نفي القولين بتلك الآيات ففيه أن نفي هذا المذهب السخيف أيضا بتلك الآيات لا يتم بل ثبت بطلانه بسائر البراهين الموردة في محالها، وأما الاعتراضات التي أوردها على تفسير الصدوق للآية الكريمة فلعلها مبنية على الغفلة عن مراده فإن الظاهر أن الصدوق رحمه الله أراد بذلك الجمع بين الآيات والروايات، ودفع ما يتوهم من التنافي بينها، لأنه دلت الآيات على نزول القرآن في ليلة القدر، والظاهر نزول جميعه فيها، ودلت الآثار والاخبار على نزول القرآن في عشرين أو ثلاث وعشرين سنة، وورد في بعض الروايات أن القرآن نزل في أول ليلة من شهر رمضان، ودل بعضها على أن ابتداء نزوله في المبعث فجمع بينها بأن: في ليلة القدر نزل القرآن جملة من اللوح إلى السماء الرابعة لينزل من السماء الرابعة إلى الأرض بالتدريج، ونزل في أول ليلة من شهر رمضان جملة القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله) ليعلم هو، لا ليتلوه على الناس، ثم ابتداء نزوله آية آية وسورة سورة في المبعث أو غيره