وأما التفويض فهو ما ذهب إليه المعتزلة من أنه تعالى أوجد العباد وأقدرهم على تلك الأفعال، وفوض إليهم الاختيار. فهم مستقلون بإيجادها على وفق مشيتهم وقدرتهم، وليس لله في أفعالهم صنع.
وأما الامر بين الامرين فالذي ظهر مما سبق من الاخبار هو أن لهداياته وتوفيقاته تعالى مدخلا في أفعال العباد بحيث لا يصل إلى حد الالجاء والاضطرار كما أن سيدا أمر عبده بشئ يقدر على فعله، وفهمه ذلك، ووعده على فعله شيئا من الثواب، وعلى تركه شيئا من العقاب فلو اكتفى من تكليف عبده بذلك ولم يزد عليه مع علمه بأنه لا يفعل الفعل بمحض ذلك لم يكن ملوما عند العقلاء لو عاقبه على تركه، ولا يقول عاقل بأنه أجبره على ترك الفعل، ولو لم يكتف السيد بذلك وزاد في ألطافه، والوعد بإكرامه، والوعيد على تركه، وأكد ذلك ببعث من يحثه على الفعل ويرغبه فيه، ثم فعل بقدرته واختياره ذلك الفعل فلا يقول عاقل بأنه جبره على ذلك الفعل; وأما فعل ذلك بالنسبة إلى جماعة وتركه بالنسبة إلى آخرين فيرجع إلى حسن اختيارهم وصفاء طويتهم، أو سوء اختيارهم وقبح سريرتهم، فالقول بهذا لا يوجب نسبة الظلم إليه تعالى بأن يجبرهم على المعاصي ثم يعذبهم عليها كما يلزم الأولين، ولا عز له تعالى عن ملكه، واستقلال العباد بحيث لا مدخل لله في أفعالهم فيكونون شركاء لله في تدبير عالم الوجود كما يلزم الآخرين، وقد مرت شواهد هذا المعنى في الاخبار; ويؤيده ما رواه الكليني، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سأله رجل: أجبر الله العباد على المعاصي؟ قال: لا; فقال: ففوض إليهم الامر؟ قال: لا، قال: فماذا؟ قال: لطف من ربك بين ذلك. (1) ويظهر من (2)