الله منه عملا إلا بصدق النية، كذلك (1) أخبر عن المنافقين بقوله: " يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون " ثم أنزل على نبيه صلى الله عليه وآله توبيخا للمؤمنين " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون " الآية، فإذا قال الرجل: قولا واعتقد في قوله دعته النية إلى تصديق القول بإظهار الفعل، وإذا لم يعتقد القول لم يتبين حقيقة، وقد أجاز الله صدق النية وإن كان الفعل غير موافق لها لعلة مانع يمنع إظهار الفعل في قوله: " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان " وقوله: " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " الآية، فدل القرآن وأخبار الرسول صلى الله عليه وآله أن القلب مالك لجميع الحواس يصحح أفعالها، ولا يبطل ما يصحح القلب شئ، فهذا شرح جميع الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق عليه السلام أنها تجمع المنزلة بين المنزلتين، وهما الجبر والتفويض، فإذا اجتمع في الانسان كمال هذه الخمسة الأمثال وجب عليه العمل كملا لما أمر الله عز وجل به ورسوله، وإذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنه مطروحا بحسب ذلك.
فأما شواهد القرآن على الاختبار والبلوى بالاستطاعة التي تجمع القول بين القولين فكثيرة، ومن ذلك قوله: " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم " وقال: " سنستدرجهم من حيث لا يعلمون " وقال: " ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " وقال في الفتن التي معناها الاختبار: " ولقد فتنا سليمان " الآية، وقال في قصة قوم موسى: " فإنا قد فتنا قومك من بعدك و أضلهم السامري " وقول موسى: " إن هي إلا فتنتك " أي اختبارك، فهذه الآيات يقاس بعضها ببعض ويشهد بعضها لبعض، وأما آيات البلوى بمعنى الاختبار قوله: " ليبلوكم فيما آتاكم " وقوله: " ثم صرفكم عنهم ليبتليكم " وقوله: " أنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة، وقوله: " خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا " وقوله: " وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " وقوله: " ولو شاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض " وكل ما في القرآن من بلوى هذه الآيات التي شرح أولها فهي اختبار وأمثالها في القرآن كثيرة، فهي إثبات الاختبار والبلوى إن الله عز وجل لم يخلق الخلق عبثا، ولا أهملهم