قوله تعالى: " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا " استدلال على البعث بان لذات هذه الدار الفانية لا تليق بأن تكون مقصودة لخلق هذه العالم مع هذه الآلام والمشاق و المصائب المشاهدة فيها فلو لم يكن لاستحقاق دار أخرى باقية خالية عن المحن والآلام لكان الخلق عبثا ولذا قال بعده: " وأنتم إلينا لا ترجعون ".
قوله تعالى: قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم " (1) أي ما يصنع بكم أولا يعتد بكم لولا دعاؤكم إلى الدين، أو لولا عبادتكم، أو لولا دعاؤكم لله عند الشدائد، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام.
قوله تعالى: " إنا عرضنا الأمانة " قيل: هي التكليف بالأوامر والنواهي، و المعنى أنها لعظمة شأنها بحيث لو عرضت على هذه الاجرام العظام وكانت ذا شعور و إدراك " لابين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان " مع ضعف بنيته ورخاوة قوته لا جرم فإن الراعي لها بخير الدارين " إنه كان ظلوما " حيث لم يراع حقها " جهولا " بكنه عاقبتها. وقيل: المراد الطاعة التي تعم الاختيارية والطبيعية، وعرضها:
استدعاؤها الذي يعم طلب الفعل من المختار وإرادة صدوره من غيره، وبحملها الخيانة فيها والامتناع عن أدائها. والظلم والجهالة: الخيانة والتقصير. وقيل: إنه تعالى لما خلق هذه الاجرام خلق فيها فهما وقال لها: إني فرضت فريضة ونارا لمن عصاني، فقلن: نحن مسخرات على ما خلقنا لا نحتمل فريضة، ولا نبغي ثوابا ولا عقابا; ولما خلق آدم عرض عليه مثل ذلك فحمله، وكان ظلوما لنفسه بتحمل ما يشق عليها، جهولا بوخامة عاقبته وقيل: المراد بالأمانة العقل أو التكليف، وبعرضها عليهن اعتبارها بالإضافة إلى استعدادهن، وبإبائهن الاباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والاستعداد وبحمل الانسان قابليته واستعداده لها، وكونه ظلوما جهولا لما غلب عليه من القوة