والآراء، قد أجمعوا على تعظيم قبورهم، وفضل مشاهدهم، حتى أنهم يقصدونها من البلاد النائية، ويلمون بها، ويتقربون إلى الله سبحانه بزيارتها، ويستنزلون عندها من الله الأرزاق، ويستفتحون الأغلاق، ويطلبون ببركاتها الحاجات، وهذا هو المعجز الخارق للعادة، والا فما الحامل للفرق المختلفة على هذا الاجتماع؟ ولم يفعلوا بعض ما ذكرناه بمن يعتقدون بإمامته وفرض طاعته، وهو في الدين موافق لهم.
ألا ترى أن ملوك بني أمية وخلفاء بني العباس مع كثرة شيعتهم، وكونهم أضعاف شيعة أئمتنا عليهم السلام، وكون الدنيا لهم وفي أيديهم، وكانوا سلاطين على العالمين والجمهور كانوا يعظمونهم ويخطبون لهم فوق المنابر في شرق الأرض وغربها، ويسمونهم بإمرة المؤمنين، لم يلم أحد من شيعتهم وأوليائهم فضلا من أعدائهم بقبورهم، بل لا يعرف أولياؤهم مواضع كثير من قبورهم، مع أن دواعي الدنيا ورغباتها عند هذه الطائفة مفقودة، وعند أولئك موجودة.
فمن المحال أن يكونوا فعلوا ذلك لداع من دواعي الدنيا، ولا يمكن أيضا أن يكون لتقية، فان التقية هي فيهم لا منهم، فلم يبق الا أن يكون بقهر القاهر الذي يذلل الصعاب، ويسبب الأسباب.
ومن عجيب ما شاهدت حين توجهي إلى بيت الله الحرام من طريق البحر، أن البحر قد هاج، وأشرفت السفينة على الغرق، فاضطرب الملاحون اضطرابا شديدا، وكانوا يصيحون ويدعون ويتوسلون بالأئمة الاثني عشر، مع أنهم كانوا من أهل السنة من المالكية، ولم يذكروا في وقت الطوفان اسم واحد من أئمتهم، فسألت مقدمهم ورئيسهم عن سبب ذلك، فقال: من عادة أهل البحر أنهم يتوسلون عند الطوفان والهيجان بالأئمة الاثني عشر، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.