ومما يرفع أيضا التعجب في اتفاق أكثر الصحابة على مخالفة النبي صلى الله عليه وآله وتخلفهم عن أمير المؤمنين عليه السلام انا نلاحظ حال أهل زماننا، فنراهم غافلين جاهلين، مائلين إلى الدنيا والى أهلها، راغبين عن الآخرة وأهلها الا قليلا نادرا، فنعلم أن حال أهل كل زمان كحال أهل زماننا (1)، فلا نتعجب حينئذ في ترك أكثر أهل زمن النبي صلى الله عليه وآله بيعة علي سيد العقلاء والزهاد الذي طلق الدنيا ثلاثا، وكان يزهدهم في الدنيا، ويرغبهم إلى الآخرة، ويلومهم في حب حبيبتهم الغدارة، ويأمرهم أن يقنعوا بالقليل، وأن لا يطلبوا فوق الكفاف، ويحثهم على ترك العادات والشهوات، ويحذرهم عن التلهي والفاكهات، إذ لا مشابهة بينه عليه السلام وبين هؤلاء من أرباب الجهالات، بل كانوا أشباه أبي بكر وأمثاله، فبايعوه وانقادوا له.
وأما القليلون الذين كانوا أشباه علي أمير المؤمنين عليه السلام، كسلمان وأبي ذر ومقداد وعمار، وصلحاء بني هاشم، فبايعوه وأطاعوه، وداروا معه حيث دار، وكانوا مظلومين مغضوبين مقهورين مخذولين، ولكن لم يضرهم خذلان الخاذلين، وكيف يضرهم؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي (2).
ونعم ما قال الخليل بن أحمد النحوي، حين سأله أبو زيد النحوي الأنصاري، قال: سألت الخليل بن أحمد، فقلت: لم هجر الناس عليا عليه السلام وقرباه من رسول الله صلى الله عليه وآله قرباه، وموضعه من المسلمين موضعه، وعناه في الاسلام عناه؟
فقال: بهر والله نوره أنوارهم، وغلبهم على صفو كل منهل، والناس إلى أشكالهم أميل، أما سمعت الأول حيث يقول:
وكل شكل بشكله ألف أما ترى الفيل يألف الفيلا