أقول: إذا جاز على الأنصار أن يخالفوا نبيهم في حياته لأغراضهم الذميمة، وحميتهم الجاهلية، فكيف لا يجوز عليهم المخالفة بعد مماته؟!
ومما يرفع التعجب أيضا، ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين، في مسند أنس بن مالك، في الحديث الحادي والعشرين من المتفق عليه، قال: ان ناسا من الأنصار قالوا يوم حنين، حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء، فطفق رسول الله صلى الله عليه وآله يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسوله، فيعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم (1).
وقال الحميدي في الحديث المذكور: في حديث هشام بن زيد عن أنس، أن الأنصار قالت: إذا كانت الشدة نحن ندعى لها، وتعطى الغنائم غيرنا (2).
قال ابن شهاب عن أنس، فحدث ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فعرفهم في حديث ذكره أنه فعل ذلك تألفا لمن أعطاه، ثم يقول في رواية الزهري عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وآله قال للأنصار: انكم ستجدون اثرة شديدة، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض، قال: أنس، فلم يصبروا (3).
انظر أيها اللبيب المنصف في هذه الأحاديث المتفق على صحتها عندهم، وفكر فيما بلغوا إليه من تقبيح ذكر الأنصار من سوء معاملتهم ومصاحبتهم لنبيهم صلى الله عليه وآله في حياته بحضرته، وقلة احترامهم، وترك الموافقة له، لأغراض جاهلية، وأحقاد دنيوية، فما التعجب في مبايعة هؤلاء الأنصار وأمثالهم من المهاجرين بمثل هذه الآراء السقيمة والأغراض الذميمة لأبي بكر في السقيفة، ونبذ عهد نبيهم وراء ظهورهم.