وآخر أيام عمره، حيث أراد منهم أن يأتوه بدواة ولوح ليكتب لهم ما يبعدهم عن الضلالة، فحالوا بينه وبين مراده، ونسبه الثاني من خلفاء المخالف إلى الهجر والهذيان، وقال: حسبنا كتاب الله. وروى المخالفون هذه الحكاية في صحاحهم ومسانيدهم، وسيجئ إن شاء الله تفصيل هذه الحكاية مع عدة حكايات في مخالفة أبي بكر وعمر لرسول الله صلى الله عليه وآله.
ومما يرفع التعجب في مخالفة أكثر الصحابة لقول النبي صلى الله عليه وآله وتركهم النص الجلي ما رواه المخالفون في صحاحهم، وهذا لفظ مسلم في المجلد الثالث من صحيحه، في حديث عائشة، قالت بعد كلام طويل: فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وهو على المنبر، فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وهو على المنبر: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي الا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه الا خيرا، وما كان يدخل على أهلي الا معي.
فقام سعد بن معاذ الأنصاري، فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك.
قالت، فقام سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، وكان رجلا صالحا، ولكن احتملته (1) الحمية، فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمرو الله لا تقتله، ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن خضير وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمرو الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله صلى الله عليه وآله قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله يخفضهم حتى سكتوا وسكت، الخبر (2).