وقال النقيب: ومما جرأ عمر على بيعة أبي بكر، والعدول عن علي عليه السلام، مع ما كان يسمعه من الرسول صلى الله عليه وآله في أمره، أنه كان أنكر مرارا على الرسول صلى الله عليه وآله أمورا اعتمدها، فلم ينكر عليه الرسول صلى الله عليه وآله انكاره، بل رجع في كثير منها إليه، وأشار عليه بأمور كثيرة، نزل القرآن فيها بموافقته، فأطمعه ذلك في الاقدام في اعتماده على كثير من الأمور التي كان يرى فيها المصلحة مما هي على خلاف النص.
وذلك نحو انكاره الصلاة على عبد الله بن أبي المنافق، وانكاره فداء أسارى بدر، وانكاره عليه تبرج نسائه للناس، وانكاره قضية الحديبية، وانكاره أمان العباس لأبي سفيان بن حرب، وانكاره أمره عليه السلام بالنداء من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، وانكاره أمره عليه السلام بذبح النواضح، وانكاره على النساء بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله هيبتهن له دون رسول الله صلى الله عليه وآله إلى غير ذلك من أمور كثيرة يشتمل عليها كتب الحديث. ولو لم يكن الا انكاره لقوله عليه السلام في مرضه (إيتوني بدواة وكتف أكتب لكم مالا تضلون بعدي) لكفى، وأعجب الأشياء أنه قال ذلك اليوم (حسبنا كتاب الله) فافترق الحاضرون من المسلمين في الدار، بعضهم يقول: القول ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله، وبعضهم يقول: القول ما قال عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وقد كثر اللغظ وعلت الأصوات: قوموا عني فما ينبغي لنبي أن يكون عنده هذا التنازع.
فمن بلغت قوته وهمته إلى هذا كيف ينكر منه أن يبايع أبا بكر لمصلحة رآها، ويعدل عن النص، ومن الذي ينكر عليه ذلك، وهو في القول الذي قاله للرسول صلى الله عليه وآله في وجهه غير خائف من الانكار (1)، ولا أنكر عليه أحد لا رسول الله ولا غيره، وهو أشد من مخالفة النص في الخلافة وأفظع وأشنع.
قال النقيب: على أن الرجل ما أهمل أمر نفسه، بل أعد أعذارا وأجوبة، وذلك لأنه قال لقوم عرضوا له بحديث النص: ان رسول الله صلى الله عليه وآله رجع عن ذلك بإقامته