عن أبي جعفر يحيى بن أبي زيد، وما نذكره هاهنا مختصر من كلامه، ولم نذكر من كلامه ما كان مخالفا لعقائد الامامية.
قال: ان القوم لم يكونوا يذهبون في الخلافة إلى أنها من معالم الدين، وأنها جارية مجرى العبادات الشرعية، كالصلاة والصوم، ولكنهم كانوا يجرونها مجرى الأمور الدنيوية، مثل تأمير الامراء، وتدبير الحروب، وسياسة الرعية، وما كانوا يتحاشون (1) في أمثال ذلك من مخالفة نصوصه عليه السلام إذا رأوا المصلحة في غيرها.
ألا تراه كيف نص على اخراج أبي بكر وعمر في جيش أسامة ولم يخرجا، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخالف وهو حي في أمثال ذلك، ألست تعلم أنه نزل في غزاة بدر منزلا على أن يحارب قريشا فيه فخالفته الأنصار، وهو الذي أخذ الفداء من أسارى بدر، فخالفه عمر. وقد كان قال لأبي هريرة: اخرج فناد في الناس من قال:
لا إله إلا الله مخلصا بها قلبه دخل الجنة، فخرج أبو هريرة فلقي عمر بذلك، فدفعه في صدره حتى وقع على الأرض.
وقد أطبقت الصحابة اطباقا واحدا على ترك كثير من النصوص، كاسقاطهم سهم ذوي القربى، واسقاطهم سهم المؤلفة قلوبهم، وهذان الأمران أدخل في باب الدين منهما في باب الدنيا، وقد عملوا بآرائهم أمورا لم يكن لها ذكر في الكتاب والسنة، ولقد كان أوصاهم في مرضه، فقال: اخرجوا نصارى نجران من جزيرة العرب، فلم يخرجهم حتى مضى صدر من خلافة عمر، وعملوا في أيام أبي بكر بآرائهم (2) في ذلك، وهم الذين هدموا المسجد بالمدينة، وحولوا المقام بمكة، وعملوا بمقتضى ما يغلب في ظنونهم من المصلحة، ولم يقفوا مع موارد النصوص حتى اقتدى بهم الفقهاء من بعد، فرجح كثير منهم القياس على النص، حتى