وخصنا وصلنا، قال: بماذا يا أخا الأشعريين؟ قلت: بافشاء سرك وأن تشركنا في همتك، فنعم المستشاران نحن لك، قال: انكما كذلك، فاسألا عما بدا لكما، ثم قام إلى الباب ليغلقه، فإذا الاذن الذي أذن لنا عليه في الحجرة، فقال: امض عنا لا أم لك، فخرج وأغلق الباب خلفه، ثم أقبل علينا فجلس معنا، وقال: سلا تخبرا.
قلنا: نريد، أن يخبرنا أمير المؤمنين بأحسد قريش الذي لم تأمن ثيابنا على ذكره لنا؟ فقال: سألتما عن معضلة وسأخبركما، فليكن عندكما في ذمة منيعة وحرز ما بقيت، فإذا مت فشأنكما وما شئتما من اظهار أو كتمان، قلنا: فان لك عندنا ذلك.
قال أبو موسى: وأنا أقول في نفسي: ما يريد الا الذين كرهوا استخلاف أبي بكر له كطلحة وغيره، فإنهم قالوا لأبي بكر: أتستخلف علينا فظا غليظا، وإذا هو يذهب إلى غير ما في نفسي، فعاد إلى التنفس، ثم قال: من تريانه؟ قلنا: والله ما ندري الا ظنا، قال: ومن تظنان؟ قلنا: عساك تريد القوم الذين أرادوا أبا بكر على صرف هذا الأمر عنك.
قال: كلا والله، بل كان أبو بكر أعق، وهو الذي سألتما عنه، كان والله أحسد قريش كلها، ثم أطرق طويلا، فنظر المغيرة إلي ونظرت إليه، وأطرقنا مليا لاطراقه، وطال السكوت منا ومنه، حتى ظننا أنه قد ندم على ما بدا منه.
ثم قال: وا لهفاه من ضئيل بني تيم بن مرة، لقد تقدمني ظالما، وخرج إلي منها آثما، فقال المغيرة: أما تقدمه عليك يا أمير المؤمنين ظالما فقد عرفناه، كيف خرج إليك منها آثما؟ قال: ذاك لأنه لم يخرج إلي منها الا بعد يأس منها، أما والله لو كنت أطعت يزيد بن الخطاب وأصحابه لم يتلمظ (1) من حلاوتها بشئ أبدا، ولكني قدمت وأخرت، وصعدت وصوبت، ونقضت وأبرمت، فلم أجد الا الاغضاء على ما نشب به منها، والتلهف على نفسي، وأملت إنابته ورجوعه، فوالله ما فعل حتى