ومما يدل على ما ادعيناه من عدم تحقق الاجماع، ما يدل من الأخبار على عدم رضاء عمر ببيعة أبي بكر اعتقادا ومصلحة للدين، بل لم يكن الداعي له إلى حضوره السقيفة الا ليجر الخلافة إلى نفسه، فاضطر بعد اليأس منها إلى بيعة أبي بكر طمعا في عودها إليه.
روى الهيثم بن عدي (1)، عن عبد الله بن عياش الهمداني (2)، عن سعيد بن جبير، قال ذكر أبو بكر وعمر عند عبد الله بن عمر، فقال رجل: كانا والله شمسي هذه الأمة ونوريها، فقال ابن عمر: وما يدريك؟ قال الرجل: أوليس قد ائتلفا؟
قال ابن عمر: بل اختلفا لو كنتم تعلمون، أشهد أني كنت عند أبي يوما، وقد أمرني أن أحبس الناس عنه، فاستأذن عليه عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال عمر: دويبة سوء، ولهو خير من أبيه، فأوحشني ذلك منه، فقلت: يا أبه عبد الرحمن خير من أبيه؟ فقال، ومن ليس بخير من أبيه لا أم لك، ائذن لعبد الرحمن.
فدخل عليه، فكلمه في الحطيئة الشاعر أن يرضى عنه، وقد كان عمر حبسه في شعر قاله، فقال عمر: ان في الحطيئة أودا (3)، فدعني اقومه بطول حبسه، فألح عليه عبد الرحمن وأبى عمر، فخرج عبد الرحمن، فأقبل علي أبي وقال: أفي غفلة أنت إلى يومك هذا عما كان من تقدم أحيمق بني تيم علي وظلمه لي؟ فقلت: لا علم لي بما كان من ذلك، قال: يا بني فما عسيت أن تعلم؟ فقلت: والله لهو أحب إلى الناس من ضياء أبصارهم، قال: ان ذلك لكذلك على رغم أبيك وسخطه، قلت: يا أبه أفلا تجلي عن فعله بموقف في الناس تبين ذلك لهم؟