الأمر بعده، ولا ينص عليه ولا يستخلفه، فيحقن دمه ودم بنيه وأهله باستخلافه.
ألا يعلم هذا العاقل أنه إذا تركه وترك بنيه وأهله سوقة ورعية، فقد عرض دمائهم للإراقة بعده، بل يكون هو عليه السلام الذي قتلهم، وأشاط (1) بدمائهم، لأنهم لا يعتصمون بعده بأمر يحميهم، وإنما يكونون مضغة للاكل، وفريسة للمفترس، يتخطفهم الناس، وتبلغ فيهم الأغراض، فأما إذا جعل السلطان فيهم والأمر إليهم، فإنه يكون قد عصمهم وحقن دمائهم بالرئاسة التي يصولون بها ويرتدع الناس عنهم لأجلها، ومثل هذا معلوم بالتجربة.
ألا ترى أن ملك بغداد أو غيرها من البلاد لو قتل الناس ووترهم، وأبقى في نفوسهم الأحقاد العظيمة عليه، ثم أهمل أمر ولده وذريته من بعده، وفسح للناس أن يقيموا ملكا من عرضهم وواحدا منهم، وجعل بنيه سوقة كبعض العامة، لكان بنوه بعده قليلا بقاؤهم، سريعا هلاكهم، ولوثب عليهم الناس ذوو الأحقاد والترات من كل جهة يقتلونهم ويشردونهم كل مشرد، ولو أنه عين ولدا من أولاده للملك، وقام خواصه وخدمه وقومه (2) بأمره بعده، لحقنت دماء أهل بيته، ولم تطل يد أحد من الناس إليهم لناموس الملك، وأبهة السلطنة، وقوة الرئاسة، وحرمة الامارة.
أفترى ذهب عن رسول الله صلى الله عليه وآله هذا المعنى، أم أحب أن يستأصل أهله وذريته من بعده؟ وأين موضع الشفقة على فاطمة العزيزة عنده الحبيبة إلى قلبه؟
أتقول: انه أحب أن يجعلها كواحدة من فقراء المدينة تتكفف الناس، وأن يجعل عليا المكرم المعظم عنده، الذي كانت حاله معه معلومة، كأبي هريرة الدوسي، وأنس بن مالك الأنصاري، يحكم الامراء في دمه وعرضه ونفسه وولده، فلا