مذاهب العلوية منصفا وافر العقل، فقلت له: من يعني عليه السلام بقوله (كانت أثرة شحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين) ومن القوم الدين عناهم الأسدي بقوله (كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟) هل المراد يوم السقيفة أو يوم الشورى؟ فقال: يوم السقيفة.
فقلت: ان نفسي لا تسامحني أن أنسب إلى الصحابة عصيان الرسول صلى الله عليه وآله ودفع النص، فقال: وأنا فلا تسامحني أيضا نفسي أن أنسب الرسول صلى الله عليه وآله إلى اهمال أمر الإمامة، وأن يترك الناس فوضى سدى مهملين، وقد كان لا يغيب عن المدينة الا ويؤمر عليها أميرا وهو حي ليس بالبعيد عنها، فكيف لا يؤمر وهو ميت لا يقدر على استدراك ما يحدث.
ثم قال: ليس يشك أحد من الناس أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان عاقلا كامل العقل.
أما المسلمون، فاعتقادهم فيه معلوم. وأما اليهود والنصارى والفلاسفة، فيزعمون أنه حكيم تام الحكمة، سديد الرأي، أقام ملة، وشرع شريعة، فاستجد ملكا عظيما بعقله وتدبيره.
وهذا الرجل العاقل الكامل يعرف طباع العرب وغرائزهم وطلبهم بالثارات والذحول، ولو بعد الأزمان المتطاولة، ويقتل الرجل من القبيلة رجلا من بيت آخر، لا يزال أهل ذلك المقتول وأقاربه يتطلبون القاتل ليقتلوه، حتى يدركوا ثأرهم منه، فإن لم يظفروا عليه قتلوا بعض أقاربه وأهله، فإن لم يظفروا قتلوا واحدا وجماعة من تلك القبيلة به، وان لم يكونوا رهطه الأدنين، والاسلام لم يحل طبائعهم، ولا غير هذه السجية المركوزة في أخلاقهم والغرائز بحالها.
وكيف يتوهم لبيب أن هذا العاقل الكامل وتر العرب، وعلى الخصوص قريشا، وساعده على سفك الدماء، وازهاق الأنفس، وتقلد الضغائن، ابن عمه الأدنى وصهره، وهو يعلم أنه سيموت كما يموت الناس، ويتركه بعده وعنده ابنته، وله منها ابنان يجريان عنده مجرى ابنين من ظهره، حنوا عليهما، ومحبة لهما، ويعدل عنه في