القواصف، ولا تزيله العواصف، لم يكن لأحد في مهمز، ولا لقائل في مغمز، الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه، رضينا عن قضاه، وسلمنا لله أمره، أتراني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله، والله لأنا أول من صدقه، فلا أكون أول من كذب عليه، فنظرت في أمري، فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي، وإذا الميثاق في عنقي لغيري (1).
ولا ريب في دلالة هذا الكلام على ذم من تقدم عليه، وعلى أن وجوب طاعة علي عليه السلام سبقت البيعة، ولا شك أن أخذ البيعة منه عليه السلام مع سبق وجوب اطاعته ظلم وكفر.
قال ابن أبي الحديد بعد شرح هذا الكلام: فان قيل: فهذا تصريح بمذهب الإمامية . قلت: ليس الأمر كذلك، بل هو تصريح بمذهب أصحابنا من البغداديين، لأنهم يزعمون أنه الأفضل والأحق بالإمامة، وأنه لولا ما يعلمه الله ورسوله من أن الأصلح للمكلفين تقديم المفضول عليه، لكان من تقدم عليه هالكا، فرسول الله صلى الله عليه وآله أخبره أن الإمامة حقه، وأنه أولى بها من الناس أجمعين، وأعلمه أن في تقديم غيره عليه وصبره على التأخر عنها مصلحة للدين راجعة إلى المكلفين، وأنه يجب عليه أن يمسك عن طلبها ويغضي عنها لمن هو دون مرتبته، فامتثل ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم يخرجه تقدم من تقدمه عليه من كونه الأفضل والأولى والأحق.
وقد صرح شيخنا أبو القاسم البلخي بهذا، وصرح به تلامذته وقالوا: لو نازع عقيب وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسل سيفه، لحكمنا بهلاك كل من خالفه وتقدم عليه، وحكمنا بهلاك من نازعه حين أظهر نفسه، ولكنه مالك الأمر وصاحب الخلافة إذا طلبها، وجب علينا القول بتفسيق من ينازعه فيها، وإذا أمسك منها وجب علينا