ووقاهم من يوم كان شره مستطيرا، وشهد لهم حيث كلفوا وشرفوا بأن قال جل جلاله: (وكان سعيكم مشكورا) (1).
وبعد، فإن الله جل جلاله أحاط بعلمه السابق بحال عبده، سائر به جل جلاله في مضائق مخافات ظلمات التكوين والتراب والطين والماء المهين وعقبات العلقة والمضغة والجنين، وتنقلات المولود والرضيع والطفل المحجوب عن المعرفة بشئ من اسرار المنشئ، والمسير في هذه الطرائق الكثيرة العوائق.
فرحمني وبعث إلى من مشكاة أنواره ما احتمله حالي من الاطلاع على أسراره. فرأيت من جلاله اقتداره وهول تصرفه في تدبيري بيد اختياره وامدادي لما احتاج إليه من مناره (2) واسعادي كما نبه لي (3) من حوادث الدهر واخطاره ما جعلني أسيرا في قبضته وفقيرا إلى دوام رحمته وذليلا في مقدس حضرة عزته وحقيرا بين يدي جلالته وكالمجبر المقهور على طاعته فتلاقى رمقي بتشريفي بمعرفته وامسك حياتي أن تزول بهيبته لما أنسها من مشافهته حتى صرت حيا لعوارفه وعواطفه وميتا بتهديده ومخاوفه ومتالفه. فيا عجبا من جمعه بين الأضداد، من وصفى بالبقاء ووصفي بالفناء والنفاد.
وكان من جملة عوارفه إرشادي إلى من يدعوني إليه، وانجادي لمن يدلني عليه وإمدادي لما يقويني على سلامتي بين يديه والظفر بسعادتي يوم القدوم عليه.
وكان من جملة ثمرات عواطفه أن جنح بين يدي إلهامي بتعظيم العزيزين عليه والدعاة إليه وذكر آياتهم ونشر معجزاتهم وسطر كراماتهم الدالة عليه جل جلاله وعلى علو مقاماتهم، فصنفت فيها. ومنها ما رجوت أن أكون فيه أولا في البرهان والبيان ومتأخرا في الزمان والمكان.