وحللها وياقوتها ودرها وزمردها واستبرقها (فأخذوا منها ما لا يعلمون).
وتكلمت الملائكة مع مريم: (ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين) أراد نساء عالم أهل زمانها كقوله لبني إسرائيل: (واني فضلتكم على العالمين) وليسوا بأفضل من المسلمين، قوله: (كنتم خير أمة) ثم إن الصفات في هذه الآيات يشاركها غيرها، قوله: (ان الله اصطفى آدم) إلى قوله: (ذرية بعضها من بعض) وفاطمة وذريتها من جملتهم، وقال النبي: فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وانها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون الف ملك من المقربين وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون: يا فاطمة (ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين)، وانه (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا) وليس في نفس الآية ان ذلك كان الله تعالى يخلقه اختراعا أو يأتيها به الملك وإنما هو يدل على كثرة شكرها لله تعالى، كما تقول: رزقني الله اليوم درهما، كما قال: (قل كان من عند الله)، وللزهراء من هذا الباب ما لا ينكره مسلم من حديث المقداد وخبر الطائر والرمان والعنب والتفاح والسفرجل وغيرها، وذلك مما يقطع على أنها كانت تأكل ما لم يكن لغيرها من جميع الخلق بعد هبوط آدم وحواء.
وفي الحديث: ان النبي صلى الله عليه وآله دخل على فاطمة وهي في مصلاها وخلفها جفنة يفور دخانها فأخرجت فاطمة الجفنة فوضعتها بين أيديهما فسأل علي: (أنى لك هذا) قالت:
هو من فضل الله ورزقه (ان الله يرزق من يشاء بغير حساب).
ورزق مريم من الجنة، وخلق فاطمة من رزق الجنة، وفي الحديث: فناولني جبرئيل رطبة من رطبها فأكلتها فتحولت ذلك نطفة في صلبي. قد مدح الله تعالى مريم في القرآن بعشرين مدحة، وصح في الاخبار لفاطمة عشرون اسما كل اسم يدل على فضيلة، ذكرها ابن بابويه في كتاب مولد فاطمة (ع). وقال تعالى: (ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها) يريد بذلك العفاف لا الملامسة والذرية لأنه لو لم يكن كذلك لجعل حملها له ووضعها ومخاضها بغير ما جرت به العادة، فلما جعله على مجرى العادة دل على مقالنا. ويؤكد ذلك الأخبار الواردة في مدح التزويج وطلب الولد وذم العزبة، وقال تعالى للزهراء ولأولادها: (ليذهب عنكم الرجس أهل البيت).
قال حسان بن ثابت:
وان مريم أحصنت فرجها * وجاءت بعيسى كبدر الدجى فقد أحصنت فاطم بعدها * وجاءت بسبطي نبي الهدى