ونهيه، فأي أمر أمره به أو نهاه عنه لم يأتمر على إرادة المولى، بل كان العبد يتبع إرادة نفسه، وبعثه في بعض حوائجه وفيما الحاجة له فصار العبد بغير تلك الحاجة خلافا على مولاه وقصد إرادة نفسه واتبع هواه، فلما رجع إلى مولاه نظر إلى ما أتاه فإذا هو خلاف أمره فقال العبد: اتكلت على تفويضك الأمر إلي فاتبعت هواي وإرادتي لأن المفوض إليه غير محظور عليه لاستحالة اجتماع التفويض والتحظير.
ثم قال عليه السلام: فمن زعم أن الله فوض قبول أمره ونهيه إلى عباده فقد أثبت عليه العجز، وأوجب عليه قبول كلما عملوا من خير أو شر، وأبطل أمر الله ونهيه.
ثم قال: إن الله خلق الخلق بقدرته وملكهم استطاعة ما تعبدهم به من الأمر والنهي، وقبل منهم اتباع أمره ونهيه ورضي بذلك لهم، ونهاهم عن معصيته وذم من عصاه وعاقبه عليها، ولله الخيرة في الأمر والنهي يختار ما يريده ويأمر به، وينهى عما يكره ويثبت ويعاقب بالاستطاعة التي ملكها عباده لاتباع أمره واجتناب معاصيه لأنه العدل ومنه النصفة والحكومة، بالغ الحجة بالإعذار والإنذار، وإليه الصفوة يصطفي من يشاء من عباده، اصطفى محمدا صلوات الله عليه وآله وبعثه بالرسالة إلى خلقه ولو فوض اختيار أموره إلى عباده لأجاز لقريش اختيار أمية بن أبي الصلت وأبي مسعود الثقفي إذ كانا عندهم أفضل من محمد صلى الله عليه وآله لما قالوا: (لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) (1) يعنونهما بذلك فهذا هو: (القول بين القولين) ليس بجبر ولا تفويض، بذلك أخبر أمير المؤمنين عليه السلام حين سأله عتابة بن ربعي الأسدي عن الاستطاعة.
فقال أمير المؤمنين: تملكها من دون الله أو مع الله؟
فسكت عتابة بن ربعي.
فقال له: قل يا عتابة!
قال: وما أقول؟
قال: إن قلت تملكها مع الله قتلتك، وإن قلت تملكها من دون الله قتلتك.