يشاء، ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب على يد من يشاء، وإن فعل أمنائه فعله، كما قال: وما تشاؤن إلا أن يشاء الله.
وأما قوله: ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه، وقوله وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى، فإن ذلك كله لا يغني إلا مع الاهتداء، وليس كل من وقع عليه اسم الإيمان كان حقيقا بالنجاة مما هلك به الغواة، ولو كان ذلك كذلك لنجت اليهود مع اعترافها، بالتوحيد، وإقرارها بالله ونجى ساير المقرين بالوحدانية، من إبليس فمن دونه في الكفر، وقد بين الله ذلك بقوله الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون وبقوله: الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، وللإيمان حالات ومنازل يطول شرحها، ومن ذلك: أن الإيمان قد يكون على وجهين: إيمان بالقلب، وإيمان باللسان، كما كان إيمان المنافقين على عهد رسول الله، لما قهرهم بالسيف وشملهم الخوف فإنهم آمنوا بألسنتهم، ولم تؤمن قلوبهم، فالإيمان بالقلب هو التسليم للرب، ومن سلم الأمور لمالكها لم يستكبر عن أمره، كما استكبر إبليس عن السجود لآدم، واستكبر أكثر الأمم عن طاعة أنبيائهم، فلم ينفعهم التوحيد كما لم ينفع إبليس ذلك السجود الطويل، فإنه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام، ولم يرد بها غير زخرف الدنيا، والتمكين من النظرة، فلذلك لا تنفع الصلاة والصدقة إلا مع الاهتداء إلى سبيل النجاة، وطرق الحق، وقد قطع الله عذر عباده بتبيين آياته، وإرسال رسله، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، ولم يخل أرضه من عالم بما يحتاج إليه الخليقة، ومتعلم على سبيل النجاة، أولئك هم الأقلون عددا، وقد بين الله ذلك في أمم الأنبياء وجعلهم مثلا لمن تأخر، مثل قوله - في قوم نوح -: وما آمن معه إلا قليل، وقوله - فيمن آمن من أمة موسى -: ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون، وقوله - في حواري عيسى حيث قال لسائر بني إسرائيل -: من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون، يعني: بأنهم مسلمون لأهل الفضل فضلهم