عاقبة أمرهم، واطلاع الله إياه على بوارهم، فأوحى الله عز وجل إليه، " فلا تذهب نفسك عليهم حسرات " " ولا تأس على القوم الكافرين " وأما قوله: " واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا " فهذا من براهين نبينا التي آتاه الله إياها، وأوجب به الحجة على سائر خلقه، لأنه لما ختم به الأنبياء، وجعله الله رسولا إلى جميع الأمم، وسائر الملل، خصه الله بالارتقاء إلى السماء عند المعراج وجمع له يومئذ الأنبياء، فعلم منهم ما أرسلوا به وحملوه من: عزائم الله وآياته وبراهينه، وأقروا أجمعون بفضله، وفضل الأوصياء والحجج في الأرض من بعده وفضل شيعة وصيه من المؤمنين والمؤمنات، الذين سلموا لأهل الفضل فضلهم، ولم يستكبروا عن أمرهم، وعرف من أطاعهم وعصاهم من أممهم، وسائر من مضى ومن غبر، أو تقدم أو تأخر.
وأما هفوات الأنبياء عليهم السلام وما بينه الله في كتابه، ووقوع الكناية من أسماء من اجترم أعظم مما اجترمته الأنبياء، ممن شهد الكتاب بظلمهم، فإن ذلك من أدل الدلائل على: حكمة الله عز وجل الباهرة، وقدرته القاهرة، وعزته الظاهرة لأنه علم: أن براهين الأنبياء تكبر في صدور أممهم، وأن منهم من يتخذ بعضهم إلها، كالذي كان من النصارى في ابن مريم، فذكرها دلالة على تخلفهم عن الكمال الذي تفرد به عز وجل، ألم تسمع إلى قوله في صفة عيسى حيث قال فيه وفي أمه:
" كانا يأكلان الطعام " يعني: أن من أكل الطعام كان له ثقل: ومن كان له ثقل فهو بعيد مما ادعته النصارى لابن مريم، ولم يكن عن أسماء الأنبياء تبجرا وتعزرا (1) بل تعريفا لأهل الاستبصار.
إن الكناية عن أسماء أصحاب الجرائر العظيمة من المنافقين في القرآن ليست من فعله تعالى، وإنها من فعل المغيرين والمبدلين، الذين جعلوا القرآن عضين واعتاضوا الدنيا من الدين، وقد بين الله تعالى قصص المغيرين بقوله: " الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا " وبقوله