وأما قوله: " وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " فهو تبارك اسمه أجل وأعظم من أن يظلم، ولكن قرن أمناءه على خلقه بنفسه، وعرف الخليقة جلالة قدرهم عنده، وأن ظلمهم ظلمه، بقوله، " وما ظلمونا " ببغضهم أولياءنا ومعونة أعدائهم عليهم " ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " إذ حرموها الجنة، وأوجبوا عليها خلود النار.
وأما قوله: " إنما أعظكم بواحدة " فإن الله جل ذكره نزل عزائم الشرائع وآيات الفرائض، في أوقات مختلفة، كما خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ولو شاء لخلقها في أقل من لمح البصر، ولكنه جعل الأناة والمداراة أمثالا لأمنائه وإيجابا للحجة على خلقه، فكان أول ما قيدهم به: الإقرار بالوحدانية والربوبية والشهادة بأن لا إله إلا الله، فلما أقروا بذلك تلاه بالاقرار لنبيه صلى الله عليه وآله بالنبوة والشهادة له بالرسالة، فلما انقادوا ذلك فرض عليهم الصلاة، ثم الصوم، ثم الحج ثم الجهاد، ثم الزكاة، ثم الصدقات، وما يجري مجراها من مال الفيئ، فقال المنافقون: هل بقي لربك علينا بعد الذي فرضه شئ آخر يفترضه. فتذكره لتسكن أنفسنا إلى أنه لم يبق غيره، فأنزل الله في ذلك: " قل إنما أعظكم بواحدة " يعني: الولاية، وأنزل، " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " وليس بين الأمة خلاف أنه لم يؤت الزكاة يومئذ أحد وهو راكع غير رجل، ولو ذكر اسمه في الكتاب لأسقط مع ما أسقط من معناها المحرفون فيبلغ إليك وإلى أمثالك، وعند ذلك قال الله: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ".
وأما قوله للنبي: " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " وأنك ترى أهل الملل المخالفة للإيمان ومن يجري مجراهم من الكفار مقيمين على كفرهم إلى هذه الغاية