ومنهم: الحارث بن كعب بن عمرو بن وعلة المذحجي، ومذحج هي أم مالك بن أدد، وسميت مذحجا لأنها ولدت على أكمة تسمى مذحجا.
قال أبو حاتم (1): جمع الحارث بن كعبة بنيه لما حضرته الوفاة فقال:
يا بني قد أتت علي ستون ومائة سنة ما صافحت يميني يمين غادر، ولا قنعت نفسي بحلة (2) فاجر، ولا صبوت بابنة عم ولا كنة (3)، ولا طرحت عندي مومسة قناعها، ولا بحت لصديق بسر (4)، وإني لعلى دين شعيب النبي عليه السلام وما عليه أحد من العرب غيري وغير أسد بن خزيمة وتميم بن مر، فاحفظوا وصيتي، وموتوا على شريعتي، إلهكم فاتقوه يكفكم المهم من أموركم ويصلح لكم أعمالكم، وإياكم ومعصيته، لا يحل بكم الدمار، ويوحش منكم الديار.
يا بني كونوا جميعا ولا تتفرقوا فتكونوا شيعا، فإن موتا في عز خير من حياة في ذل وعجز، وكل ما هو كائن كائن، وكل جمع (5) إلى تبائن، الدهر ضربان فضرب رجاء، وضرب بلاء (6)، واليوم يومان فيوم حبرة (7) ويوم عبرة، والناس رجلان فرجل لك، ورجل عليك تزوجوا الأكفاء، وليستعملن في طيبهن الماء، وتجنبوا الحمقاء، فإن ولدها إلى أفن (8) ما يكون، ألا إنه لا راحة لقاطع القرابة.
وإذا اختلف القوم أمكنوا عدوهم، وآفة العدد اختلاف الكلمة، والتفضل بالحسنة يقي السيئة، والمكافأة بالسيئة الدخول فيها، والعمل بالسوء يزيل النعماء، وقطيعة الرحم تورث الهم (9)، وانتهاك الحرمة يزيل النعمة،