الغيبة - الشيخ الطوسي - ج ١ - الصفحة ١٢٣
المشي على وجه لا يمكن (1) من إزالته، ويكون تكليف المشي مع ذلك مستمرا على الحقيقة.
وليس لهم أن يفرقوا بين القيد وبين اللطف من حيث كان القيد يتعذر معه الفعل (2) ولا يتوهم وقوعه، وليس كذلك فقد اللطف، لان أكثر أهل العدل على أن فقد اللطف كفقد القدرة والآلة، (وأن التكليف مع فقد اللطف فيمن له لطف معلوم كالتكليف مع فقد القدرة والآلة) (3) ووجود الموانع، وأن من لم يفعل له اللطف ممن له لطف معلوم غير مزاح العلة في التكليف، كما أن الممنوع غير مزاح العلة.
والذي ينبغي أن يجاب عن السؤال الذي ذكرناه عن المخالف أن نقول: إنا أولا لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه، بل يجوز (أن يظهر) (4) لأكثرهم ولا يعلم كل إنسان إلا حال نفسه، فإن كان ظاهرا له فعلته مزاحة، وإن لم يكن ظاهرا له علم (5) أنه إنما لم يظهر له لأمر يرجع إليه وإن لم يعلمه مفصلا لتقصير من

(١) في نسخ " أ، ف، م " لا يتمكن.
(٢) في نسختي " أ، م " متعذر معه اللطف.
(٣) ما بين القوسين ليس في نسخ " أ، ف، م ".
(٤) ليس في نسخة " ف ".
(٥) قال في البحار بعد نقل ما في المتن: ولنتكلم فيما التزمه رحمه الله في ضمن أجوبة اعتراضات المخالف من كون كل من خفي عليه الامام من الشيعة في زمان الغيبة فهم مقصرون مذنبون فنقول:
يلزم عليه أن لا يكون أحد من الفرقة المحقة الناجية في زمان الغيبة موصوفا بالعدالة، لان هذا الذنب الذي صار مانعا لظهوره عليه السلام من جهتهم إما كبيرة أو صغيرة أصروا عليها، وعلى التقديرين ينافي العدالة، فكيف كان يحكم بعدالة الرواة والأئمة في الجماعات، وكيف كان يقبل قولهم في الشهادات، مع أنا نعلم ضرورة أن كل عصر من الاعصار مشتمل على جماعة من الأخيار لا يتوقفون مع خروجه عليه السلام وظهور أدنى معجز منه في الاقرار بإمامته وطاعته.
وأيضا فلا شك في أن في كثير من الاعصار الماضية كان الأنبياء والأوصياء محبوسين ممنوعين عن وصول الخلق إليهم، وكان معلوما من حال المقرين أنهم لم يكونوا مقصرين في ذلك بل نقول:
لما اختفي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الغار كان ظهوره لأمير المؤمنين صلوات الله عليه وكونه معه لطفا له، ولا يمكن إسناد التقصير إليه صلوات الله عليه فالحق في الجواب أن اللطف إنما يكون شرطا للتكليف إذا لم يكن مشتملا على مفسدة، فإنا نعلم أنه تعالى إذا أظهر علامة مشينة عند ارتكاب المعاصي على المذنبين كأن يسود وجوههم مثلا فهو أقرب إلى طاعتهم وأبعد عن معصيتهم، لكن لاشتماله على كثير من المفاسد لم يفعله، فيمكن أن يكون ظهوره عليه السلام مشتملا على مفسدة عظيمة للمقرين يوجب استئصالهم واجتياحهم، فظهوره عليه السلام مع تلك الحال ليس لطفا لهم، وما ذكره (رحمه الله) مع أن التكليف مع فقد اللطف كالتكليف مع فقد الآلة، فمع تسليمه إنما يتم إذا كان لطفا وارتفعت المفاسد المانعة عن كونه لطفا.
وحاصل الكلام أن بعدما ثبت من الحسن والقبح العقليين وأن العقل يحكم بأن اللطف على الله تعالى واجب وأن وجود الامام لطف باتفاق جميع العقلاء، على أن المصلحة في وجود رئيس يدعو إلى الصلاح، ويمنع عن الفساد، وأن وجوده أصلح للعباد، وأقرب إلى طاعتهم، وأنه لابد أن يكون معصوما، وأن العصمة لا تعلم إلا من جهته تعالى. وأن الاجماع واقع على عدم عصمة غير صاحب الزمان عليه السلام، يثبت وجوده عليه السلام.
وأما غيبته عن المخالفين، فظاهر أنه مستند إلى تقصيرهم، وأما عن المقرين فيمكن أن يكون بعضهم مقصرين وبعضهم مع عدم تقصيرهم ممنوعين من بعض الفوائد التي تترتب على ظهوره عليه السلام لمفسدة لهم في ذك تنشأ من المخالفين، أو لمصلحة لهم في غيبته بأن يؤمنوا به مع خفاء الامر وظهور الشبه وشدة المشقة، فيكونوا أعظم ثوابا، مع أن إيصال الامام فوائده وهداياته لا يتوقف على ظهوره بحيث يعرفونه، فيمكن أن يصل منه عليه السلام إلى أكثر الشيعة ألطاف كثيرة لا يعرفونها كما سيأتي عنه عليه السلام أنه في غيبته كالشمس تحت السحاب. على أن في غيبات الأنبياء عليهم السلام دليلا بينا على أن في هذا النوع من وجود الحجة مصلحة وإلا لم يصدر منه تعالى.
وأما الاعتراضات الموردة على كل من تلك المقدمات وأجوبتها فموكولة إلى مظانها إنتهى.
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة المصنف رحمه الله 1
2 1 - فصل الكلام في الغيبة 3
3 الدليل على وجوب عصمة الإمام 16
4 الدليل على أن الحق لا يخرج عن الأمة 17
5 الدليل على فساد قول الكيسانية 18
6 الدليل على فساد قول الناووسية 21
7 الدليل على فساد قول الواقفة 23
8 نص الإمام الكاظم عليه السلام على إمامة الرضا عليه السلام 32
9 أخبار استدل على أن الإمام موسى الكاظم عليه السلام هو القائم وأنه حي لم يمت والجواب عنها 43
10 السبب الباعث لقوم على القول بالوقف 63
11 الأخبار الواردة في طعن رواة الواقفة 67
12 بعض معجزات الإمام الرضا عليه السلام التي لبعضها رجع بعض الواقفة عن الوقف 71
13 احتمال تشكيك في ولادة الإمام الحجة عليه السلام والجواب عنه 76
14 رد سائر الفرق المخالفة للإمامية في الحجة عليه السلام من المحمدية والفطحية وغيرها 81
15 ذكر أن الغيبة لحكمة اقتضاها ونعلم ذلك إجمالا 85
16 ذكر ما يمكن أن يكون حكمة وسببا للغيبة 90
17 السؤال عن حكمة الحدود حال الغيبة وجوابه 94
18 السؤال عن طريق إصابة الحق حال الغيبة وجوابه 95
19 علة غيبة الإمام عليه السلام من أوليائه 97
20 ذكر أن ستر ولادة صاحب الزمان عليه السلام ليس من خوارق العادات وما لها من النظائر 105
21 إثبات ولادة صاحب الزمان عليه السلام وإبطال ما أورد عليه من الشبه 106
22 استبعاد أن صاحب الزمان عليه السلام منذ ولد لا يعرف أحد مكانه 108
23 الجواب عن الاعتراض بطول عمره بما يزيد عن العمر الطبيعي وكونه خارقا للعادة، وذكر المعمرين 112
24 الدليل على إمامة صاحب الزمان عليه السلام من روايات المخالفين في الأئمة الاثني عشر عليهم السلام 127
25 أخبار الخاصة على إمامة الاثني عشر عليهم السلام 137
26 بيان صحة أخبار أن الأئمة إثناء عشر وأن المراد منهم الأئمة الإمامية 156
27 دليل آخر على أن إمامة صاحب الأمر عليه السلام من جهة أخبار الأئمة السابقة عليه بغيبته، وصفة غيبته، وحوادث زمان غيبته 157
28 الروايات الدالة على خروج المهدي عليه السلام 175
29 الأخبار الدالة على أن المهدي من ولد الحسين عليه السلام 188
30 إبطال قول السبائية في أن أمير المؤمنين عليه السلام حي باق بالأخبار وغيرها 192
31 إبطال قول الكيسانية في أن محمد ابن الحنفية حي وأنه القائم، بالأخبار وغيرها 195
32 إبطال قول الناووسية في أن الإمام جعفر الصادق عليه السلام حي وأنه المهدي بالأخبار وغيرها 196
33 إبطال قول الواقفة 198
34 إبطال قول المحمدية في أن محمد بن علي العسكري عليه السلام لم يمت وأنه المهدي، بالأخبار وغيرها 198
35 أخبار وفاة محمد في حياة أبيه الإمام علي النقي عليه السلام 200
36 معجزات الإمام الحسن العسكري عليه السلام 203
37 الرد على من قال بأن الإمام الحسن العسكري عليه السلام حي باق 218
38 الرد على من قال إن الإمام الحسن العسكري عليه السلام يحيى بعد موته ويعيش وهو القائم 220
39 الرد على من قال بالفترة بعد الإمام الحسن العسكري عليه السلام 221
40 الرد على من قال بإمامة جعفر بن علي بعد الإمام الحسن العسكري عليه السلام 222
41 الرد على من قال: أنه لا ولد للإمام العسكري عليه السلام، بالأخبار وغيرها 222
42 الرد على من قال بأنه مشتبه في أن للعسكري عليه السلام ولدا أم لا، فيتوقف 223
43 رد القول بأن الإمامة انقطعت بعد الإمام الحسن العسكري عليه السلام كما انقطعت النبوة 225
44 الأخبار الدالة على أن الإمامة لا تجتمع في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام وذم جعفر بن علي الكذاب 225
45 رد القول بأن الأئمة ثلاثة عشر وأن للحجة عليه السلام ولدا 228
46 2 - فصل الكلام في ولادة صاحب الزمان عليه السلام وإثباتها بالدليل والأخبار 229
47 3 - فصل أخبار بعض من رأى صاحب الزمان عليه السلام وهو لا يعرفه أو عرفه فيما بعد 253
48 4 - فصل بعض معجزات الحجة عجل الله فرجه 281
49 بعض ما ظهر من جهته عليه السلام من التوقيعات 285
50 5 - فصل في ذكر العلة المانعة من ظهور الحجة عجل الله فرجه 329
51 6 - فصل في ذكر طرف من أخبار السفراء 345
52 ذكر المحمودين من وكلاء الأئمة عليهم السلام 346
53 ذكر المذمومين من وكلاء الأئمة عليهم السلام 351
54 ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة 353
55 ذكر أبي عمرو عثمان بن سعيد العمري 353
56 ذكر أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري 359
57 ذكر أبي القاسم الحسين بن روح 367
58 صورة بعض توقيعات الحجة عجل الله فرجه 373
59 ذكر أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه 393
60 ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية 397
61 التوقيعات الواردة على أقوام ثقات في زمان السفراء المحمودين 415
62 7 - فصل ذكر عمر الإمام صاحب الزمان عليه السلام 419
63 ذكر ما روي في أن صاحب الزمان يموت ثم يعيش أو يقتل ثم يعيش وتأويله وذكر معارضاته 422
64 ذكر الأخبار الواردة في أنه لا تعيين لوقت خروجه 425
65 ذكر ما ورد من توقيت زمان الظهور ببعض الأوقات ثم تغيير لمصلحة اقتضته وبيان معنى البداء 429
66 علائم ظهور الحجة عجل الله فرجه 433
67 8 - فصل ذكر بعض منازله وصفاته وسيرته عليه السلام 467