﴿وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين﴾ (2) جعل الله التوكل مفتاح الايمان، والايمان قفل التوكل، وحقيقة التوكل الايثار، وأصل الايثار تقديم الشئ بحقه، ولا ينفك المتوكل في توكله من اثبات أحد الايثارين: فإن اثر معلول التوكل وهو الكون حجب به، وان اثر العلل عله التوكل وهو البارئ سبحانه وتعالى بقي معه، فإن أردت أن تكون متوكلا لا متعللا، فكبر على روحك خمس تكبيرات، وودع أمانيك كلها توديع الموت للحياة، وأدنى حد التوكل أن لا تسابق مقدورك بالهمة، ولا تطالع مقسومك، ولا تستشرف معدومك، فينتقض بأحدها عقد ايمانك وأنت لا تشعر، وان عزمت أن تقف على بعض شعار المتوكلين من اثبات أحد الايثارين حقا، فاعتصم بمعرفة هذه الحكاية، وهي انه روي مان بعض المتوكلين قدم على بعض الأئمة (عليهم السلام)، فقال له: اعطف علي بجواب مسألة في التوكل، والإمام (عليه السلام) كان يعرف الرجل بحسن التوكل ونفيس الورع، وأشرف على صدقه فيما سأل عنه من قبل ابدائه إياه، فقال له:
قف مكانك وانظرني ساعة، فبينا هو مطرق لجوابه إذ اجتاز بهما فقير، فادخل الإمام (عليه السلام) يده في جيبه وأخرج شيئا فناوله الفقير، ثم اقبل على السائل فقال له: هات وسل عما بدا لك، فقال السائل: أيها الامام، كنت أعرفك قادرا متمكنا من جواب مسألتي قبل أن استنظرتني، فما شأنك في ابطائك عني؟ فقال الإمام (عليه السلام): لتعتبر المعنى قبل كلامي، إذا لم أكن أراني ساهيا بسري وربي مطلع علي، ان أتكلم بعلم التوكل وفي جيبي دانق، ثم لم يحل ذلك إلا بعد ايثاره فافهم، فشهق السائل شهقة، وحلف أن لا يأوي عمرانا ولا يأنس ببشر ما عاش).
[12795] 17 - الشيخ المفيد في الإختصاص: مرسلا عن الأوزاعي، أن لقمان قال لابنه: يا بني من ذا الذي عبد الله فخذله؟ ومن ذا الذي ابتغاه فلم