تدبرهم أن إله الأرض غير إله السماء وأن الآية مسوقة لإثبات تعدد الإله وهذا فاسد، إذ المقصود إثبات وحدة الإله. توضيح ذلك أن الظرف في الموضعين متعلق بإله لكونه بمعنى المعبود وإله خبر مبتدأ محذوف وهو ضمير الموصول والتقدير وهو الذي هو إله في السماء وإله في الأرض أي مستحق لأن يعبد فيهما، ففيه نفي تعدد الإله واختصاصه تعالى بالألوهية.
قوله (فقال يا سدير سمعي وبصري) هذا أبلغ وأفيد من قوله أنا منهم بريء لما فيه من الإشارة إلى احتياجه في تحققه وكماله إلى هذه الأمور والمحتاج إلى شيء ليس بإله وأيضا كل واحد من هذه الأمور باعتبار ذاته وتركبه وحدوثه ومحله شاهد صدق على أن له إلها صانعا وعلى أن المفتقر إليه أولى بذلك، مع ما فيه من الإيماء إلى غاية التباغض والبراءة لأن في براءة السمع من سماع أحوالهم وبراءة البصر من رؤية أشخاصهم وبراءة سائر الأعضاء من مخالطتهم ومجالستهم دلالة على كمال العداوة بينه وبينهم فافهم.
قوله (من هؤلاء براء) تقديم الظرف لقصد الحصر مبالغة لأن هؤلاء من حيث أنهم نفوا صفة كمالهم (عليهم السلام) وهي غاية العبودية كانوا في حد التفريط من حيث أنهم أثبتوا لهم مالا يليق بهم من صفة الألوهية كانوا في حد الإفراط فهم كانوا أصحاب الرذيلتين بخلاف من سواهم من الملل الفاسدة فإنهم كانوا من أهل التفريط فقط فسبب البراءة من هؤلاء أشد وأقوى حتى كأنه تحقق فيهم لا في غيرهم فليتأمل.
قوله (ما هؤلاء على ديني) لظهور أن دينه هو التوحيد المطلق ودين هؤلاء هو الشرك بالله.
قوله (يقرؤون علينا بذلك قرآنا يا أيها الرسل) يعني يستدلون على أنكم رسل بهذه الآية ومناط استدلالهم بها على توهم أن المراد بالرسل محمد (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)، وهذا التوهم فاسد لما ذكره المفسرون من أنه نداء وخطاب لجميع الأنبياء لا على أنهم خوطبوا بذلك دفعة لأنهم أرسلوا في أزمنة مختلفة بل على معنى أن كلا منهم خوطب به في زمانه، وفيه تنبيه على أن الأمر بأكل الطيبات لم يكن له خاصة، بل كان لجميع الأنبياء، وحجة على من رفض أكلها تقربا إلى الله تعالى، وقيل: النداء له (صلى الله عليه وآله) والجمع للتعظيم، وفي المغرب: الطيبات خلاف الخبائث في المعنيين يقال:
شيء طيب أي طاهر نظيف أو مستلذ طعما وريحا وخبيث أي نجس أو كريه الطعم والرائحة، وفي النهاية: الطيب أكثر ما يرد بمعنى الحلال كما أن الخبيث كناية عن الحرام، وقد يرد الطيب بمعنى الطاهر. وقيل: الطيب المباح والحلال أخص من المباح لما ورد «أن الحلال قوت النبيين» بخلاف المباح فإنه قوت غيرهم.
* الأصل: