شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٥٢
(ألا ترون إلى قوله) في وصف ذات الواجب (لا من شيء كان) (1) وفي وصف فعله إيجاده (ولا من شيء خلق ما كان فنفى بقوله لامن شيء كان معنى الحدوث) عن ذاته تعالى إذ حدوث كل حادث يستلزم أن يكون وجوده من شيء (2) ونفي اللازم مستلزم لنفي الملزوم.
(وكيف أوقع) عطف على قوله «نفى» عطف الإنشاء على الإخبار، ومن لم يجوز ذلك فله أن يقول:
هذا الكلام وإن كان بحسب الظاهر إنشاء للتعجب عن الإيقاع لكنه في الحقيقة إخبار بحصول التعجب له، وهذا القدر كاف في صحة العطف.
(على ما أحدثه صفة الخلق والاختراع بلا أصل ولا مثال، نفيا لقول من قال) من الدهرية والملاحدة و «نفيا» مفعول له لقوله أوقع.
(إن الأشياء) أي الأشياء الجزئية (كلها محدثة بعضها من بعض) (3) على سبيل التسلسل والتعاقب في الجزئيات الغير المتناهية والنوع منضبط تحتها، فإنهم يقولون: كل واحد من أفراد الإنسان مثلا محدث ونوعه قديم (4) وليس ثم إنسان أول وإنما هو إنسان من نطفة والنطفة من إنسان لا إلى النهاية

١ - قوله: «لا من شى كان» مناط الحدوث كون وجود الشيء مأخوذا عن غيره، والله تعالى منزه عنه; لأن كل شيء متعلق بغيره لا يكون واجب الوجود بذاته وإن كان قديما زمانا، فلو فرض ذات الواجب تعالى معلولا لغيره كالنور والشيء الآخر الذي تعلق به الواجب كالشمس لم يكن الواجب واجبا لذاته بل كان مخلوقا لغيره ولا يرضى أحد بأن يقول هو تعالى متعلق الوجود بشيء آخر نظير تعلق النور بالشمس وإن كان تعالى وما فرض علة له كلاهما قديمين زمانا. فإن قيل أن الحدوث الذاتي والتأخر الذاتي شيء لا يفهمه الناس، قلنا: الله تعالى منزه عن كل شيء ينافي وجوب وجوده سواء فهمه الناس أو لا، وفهم بعضهم كاف في ذلك، على أنا بينا في موضع آخر أنهما مما يفهمه العامة وإن لم يعرفوا الاصطلاح كساير الأمور العامة. (ش) ٢ - قوله: «أن يكون وجوده من شيء» الحادث سواء كان حادثا زمانيا أو ذاتيا فإن وجوده من غيره فليس واجب الوجود حادثا زمانيا وهو واضح ولا ذاتيا; لأن وجوده ليس من شيء. (ش) ٣ - قوله: «كلها محدثة بعضها من بعض» هو رأي الملاحدة المنكرين للصانع المكتفين بالعلل المعدة في سلسلة الحوادث، وجعل صاحب الكافي عليه الرحمة قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «لا من شيء خلق ما كان» إشارة إلى رد هذا الرأي، وتقريره أنه أطلق الخلق على كل موجود، وظاهر أن الخلق بمعنى الإيجاد بعد العدم فيلزم أن يكون كل شيء مخلوقا بعد العدم، وعلى قول الملاحدة: يلزم كون بعض الأشياء غير مخلوق وهو المادة التي تتعاقب عليها الصور، ويلزم أيضا أن يكون كل شيء من شيء لعدم تناهى الحوادث الماضية فلا يكون شيء لا من شيء وأما الاستدلال على بطلان رأيهم فموكول إلى ساير أقواله (عليه السلام). (ش) ٤ - «محدث ونوعه قديم» إن كان مرادهم أن نوع الإنسان على سطح هذه الأرض قديم فيرد عليه قبل كل شئ أن الأرض ليست قديمة فضلا عن ما هو عليها، ثم إن العلم الجديد يرجح كون الأرض في زمان قطعة من نار لم يمكن أن يعيش عليها أي موجود ذي حياة نباتي أو حيواني وإنما صارت قابلة بعد أن مضى عليها زمان طويل ولا بد أن يكون أول حي وجد على الأرض أبا لساير أفراد نوعه من غير أن يكون له أب قبله، وهذا بمنزلة الأسماك المتولدة في قنوات تحدث في الأرض من غير أن تتصل بمنبع ماء أو بحر إذ قد يتولد فيها أسماك بغير التوالد والتناسل ولا بد من القول بأول سمكة خلقت فيها من غير أب وأم. وإن كان المراد أن قبل وجود هذه الأرض خلقت أرض أخرى وخلق عليها موجودات حية وإنسان بقيت أو زالت وقبلها أرض وأحياء وهكذا إلى غير النهاية فهذا لا يستلزم على فرض صحته نفي الصانع إذ لا يمتنع في العقل أن يخلق الله عالما فيفنيه ويحدث عالما آخر وهكذا متواليا.
والقول الصحيح في هذا المقام أن مراده (عليه السلام) إثبات مخلوقية كل شيء حتى المادة فإن أذهان العامة والملاحدة لا تعترف بكون مادة الأشياء مخلوقة بل يظنونها واجبة الوجود إذ لا يتعقلون إمكان عدمها أصلا فهي عندهم موجودة مستغنية عن الإيجاد وإنما الحادث التغيرات الطارية والحالات العارضة عليها فأصلها ثابت وأحوالها متغيرة فلم يوجد شيء إلا من شيء، وسيجئ بطلانه إن شاء الله تعالى. (ش)
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»
الفهرست