شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٥٧
(ليست له صفة تنال ولا حد تضرب له فيه الأمثال، كل دون صفاته تحبير اللغات، فنفى (عليه السلام) أقاويل المشبهة) المتبعين لأوهامهم وأحكامها الفاسدة المحجوبين عن ربهم بظلمات نفوسهم (حين شبهوه بالسبيكة) أي بالفضة المذابة يقال: سبكت الفضة أسبكها سبكا أذبتها، والفضة سبيكه (والبلورة) البلور مثل التنور والسنور: جوهر معروف والجامع بينهما هو الصفاء واللون.
(وغير ذلك من أقاويلهم من الطول) قال بعضهم: طوله سبعة أشبار من شبر نفسه. وقال بعضهم غير ذلك (والاستواء) على العرش ونحوه حتى ذهب بعضهم إلى أنه قد ينزل عنه لأمر ما ثم يصعد إليه.
(وقولهم) بالنصب عطفا على الأقاويل أي فنفى (عليه السلام) قولهم.
(متى ما لم تعقد القلوب منه على كيفية) يكون هو عليها سواء كانت قارة أو غير قارة (ولم ترجع إلى إثبات هيئة) أي صفة قارة يكون هو عليها (لم تعقل شيئا فلم تثبت) أي العقول حينئذ (صانعا); لأن العقل لا يحكم بوجود شيء لا يدركه أصلا، وهم قالوا ذلك بحكم العادة في إدراك النفس للأمور المعقولة من الأمور الممكنة باستعانة الوهم والخيال، فإن النفس إذا توجهت إلى أمر معقول تستعين بالقوة الوهمية والخيالية على إثبات ذلك المعنى المعقول وضبطه وتتأبى عن الإشارة إليها إلا بمشاهدة الوهم والخيال واستثبات حد وكيفية وهيئة يكون هو عليها فظنوا أن عالم قدس الحق وعالم التوحيد مثل هذا العالم فأجروا فيه حكم هذا العالم واعتقدوا فيه بالمشابهة والمماثلة والكيفية والهيئة إلى غير ذلك من العقائد الباطلة الفاسدة (فعبر أمير المؤمنين (عليه السلام)) عبر من التعبير بالعين والباء الموحدة وفي بعض النسخ «ففسر» من التفسير بالفاء والياء والمثناة من تحت وهو الأظهر (أنه واحد بلا كيفية) من الكيفيات التي يثبتها المشبهة (وأن القلوب تعرفه بلا تصوير) من التصويرات التي يعقلها المبتدعة (ولا إحاطة) بكنه ذاته وصفاته.
فإن قلت: أين يفهم هذه الأمور من كلامه (عليه السلام).
قلت: يفهم من مجموع منطوق كلامه ومفهومه كما لا يخفى على المتأمل.
(ثم قوله (عليه السلام)) وهو أيضا عطف على قوله «لا من شيء كان» وكذا ما بعده («الذي لا يبلغه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن وتعالى الذي ليس له وقت معدود ولا أجل ممدود ولا نعت محدود» ثم قوله (عليه السلام) «لم يحلل في الأشياء (1) فيقال هو فيها كائن ولم ينأ عنها فيقال: هو منها بائن» فنفى (عليه السلام) عنه

1 - قوله: «لم يحلل في الأشياء» تفسير صاحب الكافي يرجع إلى بيان التجرد يعني أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) بهاتين الكلمتين إلى أن الله تعالى ليس جسما ولا جسمانيا وقوله (عليه السلام) «لم يحلل في الأشياء» لنفي كونه تعالى عرضا، ولم ينأ عنها لنفي كونه جسما، ولكن كلامه (عليه السلام) أشمل وأعم فائدة مما فسره به (رحمه الله) لأن المجرد أيضا يمكن تباعده عن مجرد آخر نوع تباعد كنفسين مستقلين من النفوس الناطقة الانسانية لا ارتباط بينهما أصلا ولا تلازم بينهما ولا يحيط أحدهما بالآخر ولا يعلم أحدهما ما في ذهن الآخر، ويمكن ارتباط مجردين نظير ما يراه الحكماء من ارتباط النفوس الناطقة بالعقل الفعال والملائكة الملهمة، ولذا قد يتفق أن يرى في المنام أمورا من عالم الغيب باتصاله بهم، وبالجملة التباعد والاتصال كما يتصور في الأجسام كذلك يتصور في المجردات، وكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) يشمل جميع الأشياء، والله تعالى جل وعز من أن يباين الأشياء وتستقل هي دونه بل هو محيط قاهر بها بحيث لا يتصور لها وجود مستقل وليس هو عينها، فكما هو محيط بالأجسام وقريب منها وقاهر عليها بالعلية من غير أن يكون عينها كذلك هو قاهر على المجردات وقريب منها من غير أن يكون حالا فيها أو عينها، ولو كان معنى كلامه (عليه السلام) منحصرا فيما أفاده صاحب الكافي لم يترتب عليه ما فرع عليه من قوله «لكنه أحاط بها علمه وأتقنها صنعه قال صدر المتألهين تنزيهه تعالى عن الكون في الأشياء والبون عنها مطلب غامض دقيق ومقصد خائض عميق وتوحيد تام وتقديس كامل وتنزيه بالغ وعلم فائق عظيم أعظم من بيان سلب العرضية الجسمية عنه تعالى، أما العرضية فشئ لم يحتمله ولم يجوزه في حقه أحد ممن له أدنى شعور، وأما الجسمية فنفيها محصل بأدنى بضاعة من العقل، والأولى حمل كلامه وهو سيد الموحدين وإمام العارفين على ما هو أولى وأقرب بكماله في المعرفة وحاله في التوحيد، انتهى.
أقول: وما ذكرنا من تفريعه الإحاطة في العلم والصنع والقدرة يبين صحة قول صدر المتألهين صريحا. (ش)
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»
الفهرست