شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٤١
(ولا يتكأده صنع شيء كان إنما قال لما شاء: كن، فكان) تكأدني الشيء أو تكآدني أي شق علي على تفعل وتفاعل بمعنى لا يشق عليه ولا يعجزه صنع أي شيء كان; لأن ذلك إنما يعرض لذي القدرة الضعيفة الناقصة، وقدرته تعالى على غاية الكمال، منزهة عن الضعف والنقصان، وهو سبحانه إنما قال لما شاء كونه وأراد وجوده: كن، فيكون ذلك الشيء من غير مهلة وتراخي، والمراد بقوله للشيء «كن» حكمه وقضاؤه عليه بالوجود لا التلفظ بهذا اللفظ والنطق به.
(ابتدع ما خلق بلا مثال سبق) (1) يعني أنه اخترع الأشياء على ما لها من المقادير والأشكال والنهايات والآجال والصفات والكمال على وفق الحكمة بلا مثال امتثله ولا مقدار احتذى عليه من خالق كان قبله (ولا تعب ولا نصب) التعب والنصب الكلال والأعياء، فالعطف للتفسير والتأكيد، وحمل أحدهما على كلال القوة الآلية والآخر على كلال القوة المدركة النفسية ممكن، ولما كان شأن من فعل فعلا من سائر الفاعلين لا يخلو عن تعب وكلفة ومشقة نزه فعله تعالى عما يلزم غيره من الأمور المذكورة لأنها من توابع الانفعالات العارضة للآلات النفسانية والقوى الجسمانية وقدسه تعالى منزه عنها.
(وكل صانع شيء فمن شيء صنع، والله لا من شيء صنع ما خلق) إشارة إلى الفرق بين الصنايع البشرية وصنع الله تعالى بأن صنعه تعالى على سبيل الابداع والاختراع (2) دون الصنايع البشرية; وذلك لأن الصنايع البشرية إنما تحصل بعد أن ترسم في الخيال صورة المصنوع وتصور وضعه وكيفيته أولا وتلك الصور والتصورات تارة تحصل عن أمثلة للمصنوع وتصور مقادير وكيفيات خارجية له يشاهدها الصانع ويحذو حذوها، وتارة تحصل بمحض الإلهام كما يفاض على ذهن

1 - قوله: «ابتدع ما خلق بلا مثال سبق» قد يكون المخلوق من شأنه أن لا يكون له مثال سابق أو غير سابق كالمجردات المحضة وقد يكون من شأنه أن يكون له مثال كالا فلاك والابتداع يشمل كليهما بل يشمل الكائنات إذا نسبت إليه تعالى. (ش) 2 - قوله: «على سبيل الابداع والاختراع» جعل الشارع الابداع والاختراع بمعنى واحد ولعله في العرف كذلك إذ لا يفرقون بينهما وخص بعضهم كلمة الابداع بما لا يكون مسبوقا بمادة ولا مدة والاختراع بما لا يكون مسبوقا بمدة وان كان مسبوقا بمادة، فالعقول عندهم مبدعة والأفلاك مخترعة والمسبوق بالمادة والمدة جميعا كائن كالنفوس والمواليد ولا مشاحة في الاصطلاح. (ش)
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»
الفهرست