الأبناء) لأنه يمتنع لحوق مرتبته بمراتب الأجسام التي هي في معرض الزوال، ولأن مفهوم الابن هو الذي يتولد وينفصل عن آخر مثله في نوعه، وقدسه تعالى منزه عن المشابهة والمماثلة.
(وتطهر وتقدس عن ملامسة النساء) لأنه يمتنع عليه الملامسة ولوازمها من الجسمية والشهوة والتركيب وطهارته تعود إلى تنزهه عن المواد وعلايقها من الملامسة والمماسة وغيرها.
(وعز وجل عن مجاورة الشركاء) المجاورة بالجيم على ما رأيناه من النسخ أو بالحاء على احتمال، ووجه ذلك أنه لو كان له شريك كان هو ناقصا في ذاته لافتقاره إلى ما به الامتياز، وفي فعله لعدم اقتداره على التصرف في ملكه إلا بإذن الشريك، والنقص عليه محال. وأيضا: لو كان له شريك يحاوره ويكالمه في خلقه ويستعين به في كيفية الإيجاد وحفظ نظام الموجودات حتى يكون إيجاده وحفظه أقرب إلى الصواب لكان محتاجا إلى معين وظهير، والحاجة يستلزم الإمكان المنزه قدس الواجب بالذات عنه.
(فليس له فيما خلق ضد) (1) يضاده في إمضاء إرادته ويمنعه من إجراء قدرته أو يرده عن الخطأ إلى الصواب ويهديه إلى الرأي الصحيح في كل باب لبراءة ذاته وقدرته وعلمه عن النقصان التابع للإمكان (ولا له فيما ملك ند) (2) أي مثل ونظير في ذاته وصفاته ويفعل مثل فعله (ولم يشركه في ملكه أحد) لتقدسه عن المشاركة وتنزهه عن صفات المخلوقين (الواحد الأحد الصمد المبيد للأبد) أي المهلك المفني للدهر والزمان والزمانيات (والوارث للأمد) أي للغاية ومنتهى المدة المضروبة للزمانيات، فالأبد والأمد والابتداء والانتهاء وجميع آثاره في عالم الأمر والخلق بأسرها تنتهي إليه انتهاء في أوليتها بالإيجاد وفي آخريتها بالإفناء، وهو أول كل شيء وآخره، ووارث كل شيء ومالكه وهو المستحق للأزلية والأبدية والبقاء وكل ما سواه مستحق للحدوث والعدم والفناء، وفيه رد على الدهرية وعلى من اعتقد قدم الزمان. وبالجملة كما أنه مبدأ الزمان والخلق فهو مرجعهما أيضا، ولما كان ذلك إشارة إلى أنه دائم متوحد موجود أزلا وأبدا، عقبه بقوله:
(الذي لم يزل ولا يزال وحدانيا) أي منسوبا إلى الوحدة المطلقة للمبالغة في وحدته (أزليا) أي منسوبا إلى الأزل حيث لم يكن لوجوده أول (قبل بدء الدهور وبعد صروف الأمور) البدء بفتح الباء وسكون الدال والهمزة أخيرا مصدر «بدأت الشيء»: فعلته ابتداء، والدهر: الزمان، وجمعه باعتبار أجزائه التي كل واحد منها زمان، والمراد بصروف الأمور إما إيجادها; لأن فيه صرفا لها من العدم إلى