فرادها على وجه الاحتذاء، بخلاف الملاحدة فإنهم يسندون حدوث الأفراد إلى الطبايع.
(فدفع (عليه السلام) بقوله: لا من شيء خلق ما كان جميع حجج الثنوية وشبههم) العطف للتفسير والتنبيه على أن ما هو حجة بزعمهم فهو شبهة منسوجة من الباطل في الحقيقة (لأن أكثر ما يعتمد الثنوية) المراد بالأ كثرية الأ كثرية بحسب القوة والاستعمال في مقام الاحتجاج لا الأ كثرية بحسب العدد فلا يرد أن ما نقله منهم واحد فلا يصح وصفه بالأ كثرية (في حدوث العالم) أي في حدوث العالم من أصل ومثال كما هو مذهبهم أو في نفي حدوث العالم على سبيل الإبداع والاختراع كما هو الحق (أن يقولوا: لا يخلو من أن يكون الخالق خلق الأشياء من شيء) أي من مثال سابق بالاقتداء به وإجراء مثل ما وقع فيه من التدبير على خلقه (أو من لا شيء) والثاني باطل إذ لا يجيء من لا شيء شيء بالضرورة فتعين الأول وهو المطلوب.
الجواب أن كل واحد من شقي الترديد باطل وأن الشق الثاني ليس نقيضا للشق الأول حتى يلزم من بطلان الثاني كما قالوا ثبوت الأول ومن بطلانهما كما قلنا ارتفاع النقيضين، وإنا نختار شقا ثالثا هو النقيض للأول وهو: أنه خلق لا من شيء. أما وجه بطلان شقي الترديد فأشار إليه المصنف بقوله (فقولهم من شيء خطأ) لأنه يستلزم عجز الواجب وسلب التدبير عنه وافتقاره إلى الغير في تنفيذ قدرته وثبوت قديم غيره وكل ذلك محال (وقولهم من لا شيء مناقضة وإحالة) المحال من الكلام بالضم ما عدل عن وجهه كالمستحيل وأحال وأتى بالمحال (لأن «من» توجب شيئا «ولا شيء» تنفيه) يعني أن لفظة «من» الابتدائية توجب شيئا يقع الابتداء منه، ومدخولها وهو لفظة لا شيء ينفي ذلك الشيء ضرورة أن اللا شيء لا يصدق على شيء من الأشياء، فبين مفهوم «من» ومفهوم اللاشيء تناقض، فلا يصح قولهم «من لا شيء» أيضا، وإذا ثبت بطلان شقي الترديد كليهما ثبت أنه لا تناقض بينهما. وأما الشق الثالث فهو ما اختاره (عليه السلام) كما أشار إليه المصنف بقوله (فأخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) هذه اللفظة) أي هذه العبارة المشتملة على الترديد أو قولهم خلق الأشياء من لا شيء (على أبلغ الألفاظ وأصحها) من حيث اللفظ والمعنى (فقال (عليه السلام) لا من شيء خلق ما كان) فإنه رد عليهم بأن ترديدهم ليس بحاصر لعدم وقوعه بين النفي والإثبات فإن قولهم «من لا شيء» ليس رفعا ونقيضا لقولهم «من شيء» بل قولنا «لا من شيء» دفع ونقيض له فإن نقيض الابتداء من شيء سلب الابتداء من ذلك الشيء لما تقرر من أن نقيض كل شيء رفعه لا الابتداء من «لا شيء» إذ لا تناقض بين الموجبتين، وإن كان المحمول في إحداهما متضمنا للسلب، ولما لم يكون ترديدهم حاصرا اختار (عليه السلام) شقا ثالثا