شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢١٨
باب النوادر * الأصل:
محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن سيف بن عميرة عمن ذكره، عن الحارث بن المغيرة النصري قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى: «كل شيء هالك إلا وجهه» فقال: ما يقولون فيه؟
قلت: يقولون يهلك كل شيء إلا وجه الله، فقال: سبحان الله لقد قالوا قولا عظيما: إنما عنى بذلك وجه الله الذي يؤتى منه.
* الشرح:
(محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي النعمان، عن سيف بن عميرة: عمن ذكره، عن الحارث بن المغيرة النصري قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى (كل شيء هالك إلا وجهه) فقال: ما يقولون فيه؟) الغرض من هذا السؤال تخطئتهم وتنزيهه تعالى عما يقولون وتطهير قلب المخاطب عن ذلك ليستعد لقبول الحق; لأن التخلية مقدم على التحلية (قلت: يقولون: يهلك كل شيء إلا وجه الله) أرادوا به الوجه المعروف فلذلك نزهه (عليه السلام) عن ذلك (فقال: سبحان الله لقد قالوا قولا عظيما) حيث شبهوه بخلقه وجعلوه ذا وجه معروف (إنما عنى بذلك وجه الله الذي يؤتى منه) أي يؤتى الله من ذلك الوجه وهو الرسول وأوصياؤه (عليهم السلام) لأنهم طرق إلهية وأنوار ربوبية (1)

١ - قوله: «لأنهم طرق الهية وأنوار ربوبية» تفسير ألفاظ القرآن والحديث قد يكون مفهوميا وهو الأقل وقد يكون مصداقيا بعد أن يكون المفهوم معلوما وهو الأكثر، ولذلك قد يختلف التفاسير وجميعها صحيح لأنها جميعا مصداق مثل قوله تعالى: (الذين يؤمنون بالغيب) فمن فسره بالله تعالى أو بالملائكة أو بالوحي أو بالقيامة أو بغيبة صاحب الأمر أو غير ذلك جميعها صحيح ومن عمم فهو مصيب أيضا. والوجه هنا استعارة وأصله وجه الإنسان وهو الجانب الذي يقبل به على غيره ويراهم ويطلع عليهم ويقبل غيره عليه ويعرفونه ويتكلمون معه، وجل الخالق عن الجانب لكن يطلع على الناس ويراهم ويعلم أسرارهم ويقضي حوائجهم ويسمع دعاءهم، ويقبل الناس عليه ويعرفونه في الجملة ويطلبون منه ويستفيضون منه وجودهم وكمالهم وسعادتهم، فاستعير الوجه لهذا المعنى، ولما كان الأئمة (عليهم السلام) وسيلة لهم إلى ما ذكر في معنى الوجه صح إطلاق الوجه عليهم وتفسير الوجه بهم تفسير مصداقي بأظهر وأكمل وأولى ما يصدق عليه وجه الله تعالى، قال صدر المتألهين (قدس سره):
فهؤلاء ساروا إلى الله وأعرضوا عما سوى الله ثم وقفوا مع الله فهم أجسام روحانيون وفي الأرض سماويون ومع الخلق ربانيون، أجساد أرضيه بقلوب سماوية وأشباح فرشية بأرواح عرشية نفوسهم في منازل سيارة وأرواحهم في فضاء القرب طيارة وأسرارهم إلى ربهم نظارة كائنين بالجثمان بائنين بقلوبهم عن مواطن الحدثان، ودايع الله بين خليقته وصفوته في بريته وصايا لنبيه خبايا عند صفيه لم يزل يدعو الأول الثاني ويخلف السابق اللاحق، لا يزال منهم قائمون بالحق داعون الخلق، منحوا رتبة الدعوة وجعلوا للمتقين إماما وقدوة، من اقتدى بهم اهتدى، ومن جحدهم ضل وغوى وتردى في غيابة جب الهوى. (ش)
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»
الفهرست